للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الحجاز وضيق انتشاره فيه ضيقا شديدا هو تخليط لا يتحمل نقدا «١» .

والبيئة الحجازية إلى هذا وخاصة مكة والمدينة كانت بيئة تجارية متصلة بالبلاد المجاورة التي كانت تتمتع بحظ غير يسير من الحضارة والثقافة وكان فيها جاليات كتابية نصرانية ويهودية نازحة من تلك البلاد وكانت تتداول الكتب الدينية وغير الدينية قراءة وكتابة. فلا يعقل أن يظل العرب أهل هذه البيئة غافلين عن اقتباس وسيلة من أشد الوسائل ضرورة إلى الأشغال التجارية ومن أعظم مظاهر الحضارة التي اقتبسوا منها من البلاد المجاورة الشيء الكثير «٢» .

وهناك رواية مشهورة وهي أن أسرى قريش الفقراء في وقعة بدر الذين لم يستطيعوا أن يدفعوا فدية نقدية كلفوا بتعليم بعض أطفال المسلمين في المدينة القراءة والكتابة، فإذا كان فقراء أهل مكة يقرأون ويكتبون فأولى أن يكون كذلك أغنياؤها وتجارها ونبهاؤها وأن تكون القراءة والكتابة مما هو مألوف ومنتشر بنطاق غير ضيق.

ويضاف إلى هذا ما هو أقوى دلالة وهو محتويات القرآن. ففيه آيات كثيرة جدا احتوت تنويها بالعلم والقراءة والكتابة وحضّت عليهما وحضّت خاصة على تدوين المعاملات التجارية نقدا ودينا وصغيرة وكبيرة كما أن فيه آيات عديدة حكت أقوال المشركين المكيين تدل على اتساع نطاق القراءة والكتابة والمعرفة بوجه عام عندهم «٣» .

وبيئة هذه صلاتها بالبيئات المجاورة المتمدنة التي تتيسر فيها وسائل الكتابة والقراءة المألوفة على تنوعها، وفيها كثيرون من أهل هذه البيئات يقرأون ويكتبون


(١) اقرأ مثلا «العقد الفريد» ج ٣ ص ٢٠٢. وننبه على أن للمستشرق الطلياني كايتاني في كتابه «تاريخ الإسلام» فصلا قيّما في نشأة الخط العربي وانتشاره مستندا إلى دراسات ومكتشفات وآثار حاسمة.
(٢) اقرأ فصل الحياة العقلية في كتابنا «عصر النبي وبيئته قبل البعثة» ففيه بحث مسهب موثق في هذا الأمر.
(٣) المصدر نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>