ولقد ذكرنا في سياق التعريف بنوح أن قصته واردة في الإصحاحات (٥- ٩) من سفر التكوين. ونقول هنا إنه ليس في هذه الإصحاحات إشارة ما إلى ما جاء في الآيات التي نحن في صددها من خبر رسالة نوح إلى قومه وتكذيبهم إياه ونعتهم له بالمجنون. وقد جاء في الإصحاح السادس:(أن الله رأى الأرض قد فسدت وكل جسد قد أفسد طريقه عليها فقال لنوح الذي نال حظوة في عيني الربّ وكان رجلا برّا كاملا في أجياله وسلك مع الله قد دنا أجل كل بشر بين يدي فقد امتلأت الأرض من أيديهم جورا فها أنا ذا مهلكهم) ثم أمره بصنع فلك من خشب ليدخل فيه هو وأهله لينجيهم وقال له: إني آت بطوفان مياه على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء وأقيم عهدي معك إلخ) ... وقد لا يكون بين هذا النص وفحوى الآيات تناقض. وليس ما يمنع إلى هذا أن يكون في أيدي الكتابيين قراطيس أخرى فيها بيانات متطابقة مع النص القرآني.
ولقد صرف بعض المفسرين الضمير في جملة تَرَكْناها التي جاءت في الآية [١٥] من قصة نوح إلى سفينة نوح وأوردوا حديثا رواه البخاري في فصل التفسير من صحيحه جاء فيه أن قتادة قال: «إنّ الله تعالى أبقى سفينة نوح حتى أدركها أوائل هذه الأمة»«١» . وزاد الطبري والبغوي فرويا عن قتادة قوله أيضا:«أن الله أبقاها بباقردي من أرض الجزيرة» . وقد صرفها بعضهم إلى عذاب الله ونكاله الطوفاني بالكافرين المكذبين. وخبر آثار سفينة نوح على قمة جبل الجودي أو أرارات من الأخبار التي ظلّت تتناقلها الأجيال إلى جيلنا. وقد حاول بعضهم التثبّت من وجودها فلم يتمكنوا فإذا كانت الكلمة عنتها فيكون ذلك لما كان مشهورا متداولا من أن السفينة استقرّت على أرارات أو الجودي وظلت هناك. وإلّا فيصرف الضمير في الجملة إلى الطوفان الذي كان نكالا وعذابا لقوم نوح على اعتبار أن خبر ذلك سيظل آية وعبرة للأجيال الآتية والله أعلم.
والعذاب الرباني لعاد الذي ذكر في الآيات [١٩- ٢٠] قد تكرر في سور