المناقضة لهذه النتائج نجدها كلها أو جلّها غير واردة في كتب الحديث الصحيحة.
وكثير منها لم يذكر له أسناد متسلسلة معدلة، وفيها من التناقض والتغاير ما يحمل على الشك في صحة روايتها أو متونها.
فحديث زيد عن تأليف القرآن من الرقاع أقوى سندا وأكثر اتساقا مع المنطق من حديثه الذي جاء فيه أن النبي قبض ولم يكن القرآن قد جمع في شيء، حتى إذا صح فيجب حمله على جمع القرآن في مصحف واحد كما علق على ذلك الخطابي على ما ذكرناه سابقا. وهذا المعنى هو ما يجب تخريج ما جاء في حديث جمع القرآن في عهد أبي بكر به من المراجعة بين أبي بكر وعمر ثم بين أبي بكر وزيد.
وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود من كبار الصحابة وعلماء القرآن الأعلام، فلا يعقل أن يكون جمع القرآن وتحريره وضبطه في عهد أبي بكر ثم نسخه في عهد عثمان قد تمّ دون اشتراكهم أو علمهم، ولا يعقل أن يرمى بأقوالهم عرض الحائط في زيادة أو نقص في الآيات والكلمات والسور لو كان لهم في ذلك رأي وقول حقا، ولا يعقل أن يكونا قد انفردا دون سائر الصحابة في العلم بزيادة أو نقص في القرآن أو أن تكون شهادتهما قد ردّت أو أن يكونا قد عجزا عن إثبات قولهم. وإذا سلمنا بهذا جدلا مع ذلك فالمعقول أن ما يكونان قد ذكراه لم يثبت عند ملأ الصحابة فلم يؤخذ به. وما دام الأمر قد تمّ على ما ثبت عند ملأ الصحابة وأجمعوا عليه فلا يعقل أن يكونا قد أصرا على مخالفة إجماع الصحابة وكبارهم وخلفاء رسول الله فاحتفظا بمصحفيهما وزوائدهما ونواقصهما وتغايرهما للترتيب الثابت وأن لا يكونا قد أطاعا خليفة رسول الله فأحرقا ما عندهما كما أحرق الناس ما عندهم. وهذا ما يجعلنا نشك في بقاء مصحفين لهما مخالفين لمصحف عثمان رسما وترتيبا وعدد سور وكلمات حتى وصل علم ذلك أو عيانه إلى وقت متأخر.
ونرجح إن لم نقل نعتقد أن كل هذا مخترع فيما بعد بقصد التشويش والتشكيك من أعداء الإسلام وأن في بعضه أثرا للحزبية السياسية. وقد قال بعض علماء أعلام أقوالا وجيهة في هذا الباب، فقال النووي إن المسلمين أجمعوا على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن وأن من جحد منها شيئا كفر وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس