والتأخير والمدني والمكي، على أن من الحق أن نقول: إنه ليس في الإمكان تعيين ترتيب صحيح لنزول السور القرآنية جميعها، كما أنه ليس هناك ترتيب يثبت بكماله على النقد أو يستند إلى أسانيد قوية ووثيقة. وزيادة على هذا فإن في القول بترتيب السور حسب نزولها شيئا من التجوّز. فهناك سور عديدة مكية ومدنية يبدو من مضامينها أن فصولها لم تنزل مرة واحدة أو متلاحقة، بل نزلت بعض فصولها أولا ثم نزلت بعض فصول سور أخرى، ثم نزلت بقية فصولها في فترات، وأن بعض فصول سور متقدمة في الترتيب قد نزلت بعد فصول سور متأخرة فيه أو بالعكس، وأن فصول هذه السور قد ألّفت بعد تمام نزول فصولها، وأن ترتيبها في النزول قد تأثر بفصلها أو فصولها الأولى، وأن بعض السور المتقدمة في الترتيب أولى أن تكون متأخرة أو بالعكس، أو بعض ما روي مدنيه من السور أولى أن يكون مكّيا أو بالعكس، مما سوف ننبه إليه في سياق تفسير كل سورة إن شاء الله.
ومع ذلك فإن هذا لا يعني أن الترتيبات المستندة إلى روايات قديمة أو المنسوبة إلى أعلام الصحابة والتابعين غير صحيحة كلها، أو أنها لا يصحّ التعويل عليها. فالقسم الأعظم من السور المكية نزل دفعة واحدة أو فصولا متلاحقة على ما يلهم سياقها ونظمها ومضامينها. ولم تبدأ سورة جديدة حتى تكون السورة التي قبلها قد تمت. ومضامين سور عديدة مكية ومدنية تلهم أن كثيرا مما روي في ترتيب النزول صحيح أو قريب من الصحة، وكل ما يعنيه أن فيها ما يدعو إلى التوقف وأن الأمر بالنسبة لبعض السور يظل في حدود المقاربة والترجيح. ولهذا لم يكن ما يمكن أن يوجه من مآخذ إلى ترتيب نزول السور ليغير ما قرّ رأينا عليه. لأننا رأيناه على كل حال يظل مفيدا في تحقيق ما استهدفناه والمنهج الذي ترسّمناه، وخاصة بالنسبة إلى فائدة تتبع صور التنزيل القرآني مرحلة فمرحلة والاستشعار بجوّ هذه الصور، حيث يكون ذلك أدعى إلى تفهم القرآن وحكمة التنزيل.
وقد اعتمدنا الترتيب الذي جاء في مصحف الخطاط قدر وغلي المذكور قبل.
لأنه ذكر فيه أنه طبع تحت إشراف لجنة خاصة من ذوي العلم والوقوف، حيث يتبادر إلى الذهن أن يكون قد أشير إلى ترتيب النزول فيه (السورة كذا نزلت بعد