للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْكُمْ رِجَالًا نَكِلُهُمْ إلى إِيمَانِهِمْ، مِنْهُمْ: فُرَاتُ بنُ حَيَّانَ" (١).

وَلَمَّا أَسْلَمَ فُرَاتٌ -رضي اللَّه عنه- حَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَفَقُهَ في الدِّينِ، وَلَمْ يَزَلْ يَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أَنْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَانْتَقَلَ إلى مَكَّةَ فنَزَلَهَا.

وَقَسَمَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- غَنَائِمَ هَذه السَّرِيَّةِ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ، بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الخُمُسَ (٢).

وَكَانَتْ مَأْسَاةً شَدِيدَةً، وَنَكْبَةً كَبِيرَةً أَصَابَتْ قُرَيْشًا بَعْدَ بَدْرٍ، اشْتَدَّ لَهَا قَلَقُ قُرَيْشٍ، وَزَادَتْهَا هَمًّا وَحُزْنًا، وَلَمْ تبقَ أَمَامَهَا إِلَّا طَرِيقَانِ، إِمَّا أَنْ تَمْتَنِعَ عَنْ غَطْرَسَتِهَا وَكِبْرِيائِهَا، وَتَأْخُذَ طَرِيقَ المُوَادَعَةِ وَالمُصَالَحَةِ مَعَ المُسْلِمِينَ، أَوْ تَقُومَ بِحَرْبٍ شَامِلَةٍ تُعِيدُ لَهَا مَجْدَهَا التَّلِيدَ وَعِزَّهَا القَدِيمَ، وَتَقْضِي عَلَى قُوَّاتِ المُسْلِمِينَ، بِحَيْثُ لَا تبقَى لَهُمْ سَيْطَرَةٌ عَلَى هَذَا وَلَا ذَاكَ، وَقَدْ اخْتَارَتْ مَكَّةُ الطَّرِيقَ الثَّانِيَةَ، فَازْدَادَ إِصْرَارُها عَلَى المُطَالَبَةِ بِالثَّأْرِ، وَالتَّهَيُّؤِ لِلِقَاءِ المُسْلِمِينَ في تَعْبِئَةٍ كَامِلَةٍ، وَتَصْمِيمُهَا عَلَى الغَزْوِ في دِيَارِهِمْ، فكان ذَلِكَ وَمَا سَبَقَ مِنْ أَحْدَاثٍ التَمْهِيدَ القَوِيِّ لِمَعْرَكَةِ أُحُدٍ (٣).


(١) أخرج هذا الحديث الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (١٨٩٦٥) - وأبو داود في سننه - كتاب الجهاد - باب في الجاسوس الذمي - رقم الحديث (٢٦٥٢) - والحاكم في المستدرك - كتاب الجهاد - باب نهى التفريق في المنزل إذا نزلوا - رقم الحديث (٢٥٨٨) - وإسناده صحيح.
(٢) انظر خبر هذه السرية في: سيرة ابن هشام (٣/ ٥٦) - الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (٢/ ٢٦٧) - البداية والنهاية (٤/ ٣٧٨) - شرح المواهب (٢/ ٣٨٤).
(٣) انظر الرحيق المختوم ص ٢٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>