للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذِي شَرَحَ اللَّهُ بِهِ صَدْرَهُ، فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ بَعْدَ هَذَا الإنْذَارِ ومَكَّةُ تَمُوجُ بالغَرَابَةِ والِاسْتِنْكَارِ، وتَسْتَعِدُّ لِحَسْمِ هَذِهِ الثَّوْرَةِ التِي انْدَلَعَتْ بَغْتَةً، وتَخْشَى أَنْ تَأْتِيَ عَلَى تَقَالِيدِهَا ومَوْرُوثَاتِهَا (١).

* الصَّدْعُ بالدَّعْوَةِ ورُدُودُ فِعْلِ قُرَيْشٍ:

لَمَّا أظْهَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الدَّعْوَةَ لِلْإِسْلَامِ، وَصَدَعَ بالحَقِّ كَمَا أمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ قَوْمُهُ، ولَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ، حتَّى ذَكَرَ آلِهَتَهُمْ وعَابَهَا، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ، أعْظَمُوهُ ونَاكَرُوهُ (٢)، وأجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ وعَدَاوَتِهِ، إِلَّا عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ الذِي حَدَبَ (٣) عَلَيْهِ، ومَنَعَهُ وقَامَ دُونَهُ (٤).

ومَضَى رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في دَعْوَتِهِ مُظْهِرًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَرُدُّهُ عَنْهُ شَيْءٌ، ومُعَكِّرًا عَلَى خُرَافَاتِ الشِّرْكِ وتُرَّهَاتِهِ (٥)، ويَذْكُرُ حَقَائِقَ الأصْنَامِ، وَمَا لَهَا مِنْ قِيمَةٍ فِي الحَقِيقَةِ، يَضْرِبُ بِعَجْزِهَا الأمْثَالَ، ويُبَيِّنُ بِالبَيِّناتِ أَنَّ مَنْ عَبَدَهَا وجَعَلَهَا وَسِيلَةً بَيْنَهُ وبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦).


(١) انظر فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ص ٩٧.
(٢) المُنَاكَرَةُ: أي المُحَارَبة. انظر النهاية (٥/ ١٠٠).
(٣) حَدَبَ عليهِ: أي عَطَفَ وأشْفَقَ عَليه. انظر النهاية (١/ ٣٣٧).
(٤) انظر سيرة ابن هشام (١/ ٣٠١).
(٥) التُّرَّهَاتُ: هي كنايةٌ عنِ الأباطيلِ، واحِدُها تُرَّهَة بضم التاء وفتح الراء المشددة، وهي في الأصل الطرق الصِّغار المُتَشَعِّبَةُ عن الطريق الأعظم. انظر النهاية (١/ ١٨٤).
(٦) انظر الرحيق المختوم ص ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>