للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِصَابَةُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ سِحْرِ يَهُودٍ (١)

لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الحِجَّةِ وَدَخلَ شَهْرُ المُحَرَّمِ جَاءَتْ رُؤَسَاءُ مِنَ اليَهُودِ مِنَ الذِينَ بَقُوا بِالمَدِينَةِ مِمَّنْ يُظْهِرُ الإِسْلَامَ وَهُوَ مُنَافِقٌ إِلَى لَبِيدِ بنِ الأَعْصَمِ (٢) مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ (٣) , وَكَانَ مُنَافِقًا (٤)، وَكَانَ سَاحِرًا قَدْ عَلِمَتْ ذَلِكَ يَهُودٌ أَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ بِالسِّحْرِ، فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا الأَعْصَمِ! أَنْتَ أَسْحَرُ مِنَّا، وَقَدْ سَحَرَنَا مُحَمَّدٌ فَسَحَرَ مِنَّا الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ فَلَمْ نَصْنَعْ شَيْئًا، وَأَنْتَ تَرَى أَثَرَهُ فِينَا وَخِلَافَهُ دِينَنَا، وَمَنْ قَتَلَ مِنَّا وَأَجْلَى، وَنَحْنُ نَجْعَلُ لَكَ عَلَى ذَلِكَ


(١) قال القاضي عياض في كتابه الشفا (٢/ ١٨٦ - ١٨٧): السِّحْرُ مرضٌ من الأمراض وعارضٌ من العلل يجوزُ عليهم -أي على الأنبياء- كأنواع الأمراض ممَّا لا ينكر ولا يقدح في نبوتهم، وسيتبيَّن لنا من مضمون الروايات التي سنوردها فيما أصابه -صلى اللَّه عليه وسلم- من السحر، أن السحر إنما تسلط على ظاهره وجوارحه، لا على قلبه واعتقاده وعقله، وأنه إنما أثَّر في بصره وحَبْسِهِ عن نسائه وطعامه، وأضعَفَ جِسْمَهُ وأمرضه، فليسَ في إصابة السِّحْرِ له -صلى اللَّه عليه وسلم- وتأثِيرِهِ فيه ما يُدخل لبسًا في أمره أو شرعه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
(٢) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (١١/ ٣٨٩): لَبيد: بفتح اللام وكسر الباء، والأعصم: بوزن أحمر.
(٣) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (١١/ ٣٨٩): زُريق: بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا، بطن من الأنصار مشهور من الخزرج، وكان بين كثير من الأنصار وبين كثير من اليهود قبل الإِسلام حِلْفٌ وإخَاءٌ وَوُدٌّ، فلما جاء الإِسلام ودخل الأنصار فيه تبرءوا منهم.
(٤) قلتُ: وقع في بعض الروايات أنه يهودي، والصحيح أنه من الأنصار من بني زريق، وكان منافقًا.
قال القاضي عياض فيما نقله عنه الحافظ في الفتح (١١/ ٣٨٩): يحتمل أن يكون قيل له يهودي، لكون من حلفائهم، لا أنه كان على دينهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>