للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الهِجْرَةِ، وهُمْ قَدْ خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ اللَّهِ الحَرَامِ إِلَى دَارِ كُفْرٍ، لِمَا كَانَ فِعْلُهُمْ ذَلِكَ احْتِيَاطًا عَلَى دِينِهِمْ، ورَجَاءَ أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عِبَادَةِ رَبِّهِمْ، يَذْكُرُونَهُ آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ، وهَذَا حُكْمٌ مُسْتَمِرٌّ مَتَى غَلَبَ المُنْكَرُ فِي بَلَدٍ، وَأُوذِيَ عَلَى الحَقِّ مُؤْمِنٌ، ورَأَى البَاطِلَ قَاصِرًا لِلْحَقِّ، ورَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ آخَرَ يُخَلَّى بَيْنَهُ وبَيْنَ دِينِهِ، ويُظْهِرَ فِيهِ عِبَادَةَ رَبِّهِ، فَإِنَّ الخُرُوجَ عَلَى هَذَا الوَجْهِ حَتْمٌ عَلَى المُؤْمِنِ، وهَذ الهِجْرَةُ التِي لَا تَنْقَطِعُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ (١).

وَقَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ: فَالهِجْرَةُ وَاجِبَةٌ مِنْهَا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ، وخَشِيَ أَنْ يُفْتَنَ عَنْ دِينِهِ (٢).

* أوَّلُ وَفْدٍ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-:

قَالَ ابنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهُوَ بِمَكَّةَ، عِشْرُونَ رَجُلًا، أَوْ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مِنَ النَّصَارَى، حِينَ بَلَغَهُمْ خَبَرُهُ مِنَ الحَبَشَةِ، فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي المَسْجِدِ، فَجَلَسُوا إِلَيْهِ وكَلَّمُوهُ، وسَأَلُوهُ، ورِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي أنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الكَعْبَةِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ مَسْأَلةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَمَّا أرَادُوا، دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وتَلَا عَلَيْهِمُ القُرْآنَ، فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ فَاضَتْ أعْيُنُهُمْ مِنَ الدَّمْعِ، ثُمَّ اسْتَجَابُو اللَّهِ، وآمَنُوا بِهِ، وصَدَّقُوهُ، وعَرَفُوا مِنْهُ مَا كَانَ يُوصَفُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِمْ مِنْ أمْرِهِ.


(١) انظر الرَّوْض الأُنُف (٢/ ١١١ - ١١٢).
(٢) انظر فتح الباري (٧/ ٦٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>