للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِعْيَاءً (١) خَلْفَ الصُّفُوفِ الْجَادَّةِ الزَّاحِفَةِ الْعَارِفَةِ بِتَكَالِيفِ الدَّعَوَاتِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الصُّفُوفَ تَظَلُّ في طَرِيقِهَا الْمَمْلُوءِ بِالْعَقَبَاتِ وَالْأَشْوَاكِ؛ لِأَنَّهَا تُدْرِكُ بِفِطْرَتِهَا أَنَّ كِفَاحَ الْعَقَبَاتِ وَالْأَشْوَاكِ فِطْرَةٌ في الْإِنْسَانِ، وَأَنَّهُ أَلذُّ وَأَجْمَلُ مِنَ الْقُعُودِ وَالتَّخَلُّفِ وَالرَّاحَةِ الْبَلِيدَةِ التِي لَا تَلِيقُ بِالرِّجَالِ (٢).

* مَوْقِفُ الْمُنَافِقِ الْجَدِّ بْنِ قَيسٍ:

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ في جَهَازِهِ لِغَزْوَةِ تَبُوكٍ للْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ أَحَدَ بَنِي سَلمَةَ: "يَا جَدُّ، هَلْ لَكَ الْعَامُ في جِلَادِ (٣) بَنِي الْأَصْفَرِ؟ " (٤).

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوَ تَأْذَنُ لِي وَلَا تَفْتِنِّي؟ فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي أَنَّهُ مَا مِنْ رَجُل بِأَشَدِّ عُجْبًا بِالنِّسَاءِ مِنِّي، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ رَأَيْتُ نِسَاءَ بَنِي الْأَصْفَرِ أَنْ لَا أَصْبِرَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَقَالَ لَهُ: "قَدْ أَذِنْتُ لَكَ"، فَنَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى في الْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} (٥).


(١) الْعَيُّ: الْعَجْزُ. انظر النهاية (٣/ ٣٠١).
(٢) انظر في ظلال القرآن (٣/ ١٦٨٢) لسيد قطب رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
(٣) أي مَوْضِعُ الْجِلَادُ، وهو الضَّرْبُ بالسَّيْفِ في الْقِتَالِ. انظر النهاية (١/ ٢٧٦).
(٤) بني الْأَصْفَرِ: يعني الرُّومَ. انظر النهاية (٣/ ٣٥).
(٥) سورة التوبة آية (٤٩).
والخبر أخرجه عبد الرزاق في مصنفه - رقم الحديث (٩٤٠٣) - والطبري في تفسيره (٦/ ٣٨٦) - ابن إسحاق في السيرة (٤/ ١٧٠) - وأورد طرقه الألباني رحمه اللَّه تعالى في السلسلة الصحيحة - رقم الحديث (٢٩٨٨) - وحسّن إسناده.

<<  <  ج: ص:  >  >>