بُنَيَّكِ هَذَا فَيُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَكُونَ سَيِّدَ العَرَبِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ؟ .
فَقَالَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَاللَّهِ مَا بَلَغَ بُنَيَّ ذَاكَ أَنْ يُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَا يُجِيرُ أَحَدٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
فَحِينَئِذٍ أَظْلَمَتِ الدُّنْيَا أَمَامَ عَيْنَيْ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ -رضي اللَّه عنه- فِي يَأْسٍ وَقُنُوطٍ: يَا أَبَا حَسَنٍ! إِنِّي أَرَى الأُمُورَ قَدِ اشْتَدَّتْ عَلَيَّ، فَانْصَحْنِي.
فَقَالَ عَلِيٌّ -رضي اللَّه عنه-: وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ لَكَ شَيْئًا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا، وَلَكِنَّكَ سَيِّدُ بَنِي كِنَانَةَ، فَقُمْ فَأَجِرْ بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ الْحَقْ بِأَرْضِكَ.
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَوَ ترَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنِّي شَيْئًا؟ .
قَالَ: لَا وَاللَّهِ، مَا أَظُنُّهُ، وَلَكِنِّي لَا أَجِدُ لَكَ غَيْرَ ذَلِكَ.
فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا أَيُّها النَّاسُ! إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا وَاللَّهِ مَا أَظُنُّ أَنْ يُخْفِرَنِي (١) أَحَدٌ، وَلَا يَرُدَّ جِوَارِي أَحَدٌ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- "أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ"، ثُمَّ رَكِبَ بَعِيرَهُ وَانْطَلَقَ إِلَى مَكَّةَ.
* تَجَمُّعُ قُرَيْشٍ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ:
فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى قُرَيْشٍ، قَالُوا: مَا وَرَاءَكَ؟ هَلْ جِئْتَ بِكِتَابٍ مِنْ مُحَمَّدٍ أَوْ عَهْدٍ؟ .
(١) خَفَرْتُ الرجل: أجرته وحفظته. انظر النهاية (٢/ ٥٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute