للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ وَتَوْجِيهَاتٌ في كيْفِيَّةِ القِتَالِ:

ثُمَّ صَفَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أصْحَابَهُ صَبَاحَ يَوْمِ الجُمُعَةِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ قُريْشٌ إِلَى الوَادِي، وَأَخَذَ يُعَدِّلُ صُفُوفَهُمْ بِقِدْحٍ (١) في يَدِهِ، يُشِيرُ إِلَى هَذَا تَقَدَّمْ وَإِلَى هَذَا تَأَخَّرْ، فَمَرَّ بِسَوَادِ بنِ غَزِيَّةَ (٢) -رضي اللَّه عنه-، حَلِيفِ بَنِي عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ، وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ (٣) مِنَ الصَّفِّ، فَطَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في بَطْنِهِ بِالقِدْحِ، وَقَالَ: "اسْتَوِ يَا سَوَادُ"، فَقَالَ سَوَاد: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوْجَعْتَنِي، وَقَدْ بَعَثَكَ اللَّهُ بِالحَقِّ وَالعَدْلِ فَأَقِدْنِي (٤)، فكشَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ بَطْنِهِ الشَّرِيفِ، وَقَالَ: "اسْتَقِدْ"، فَاعْتَنَقَهُ، فَقَبَّلَ بَطْنَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا يَا سَوَادُ؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! حَضَرَ مَا تَرَى، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ العَهْدِ بِكَ أَنْ يَمَسَّ جِلْدِي جِلْدَكَ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِخَيْرٍ (٥).

وَبَعْدَ ذَلِكَ أمَرَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- أصْحَابَهُ فَقَالَ: "لَا تَبْدَؤُا القِتَالَ حَتَّى آذَنكُمْ"، فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِم في صَحِيحِهِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: . . . وَجَاءَ المُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدٌ


(١) القِدْحُ: هو السهم قبل أن يُراشَ ويُرَكَّب نَصْله. انظر النهاية (٤/ ١٨).
(٢) قال الحافظ في الفتح (٥/ ١٤٧): سَوَادٌ: بفتح السين وتخفيف الواو، وغَزِيَّة: بفتح الغين وتشديد الياء بوزن عطية.
(٣) استَنْتَل: تقدم. انظر النهاية (٥/ ١٢).
(٤) القَوَد: القصاص. انظر النهاية (٤/ ١٠٤).
(٥) أخرج قصة سواد بن غزية -رضي اللَّه عنه-: ابن إسحاق في السيرة (٢/ ٢٣٨) - وإسناده حسن - وانظر الإصابة (٣/ ١٨٠) - السلسلة الصحيحة للألباني - رقم الحديث (٢٨٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>