للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي اللَّه عنه- يُمْسِكُ النَّفَقَةَ عَنْ مِسْطَحٍ ثُمَّ يُرْجِعُهَا:

وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي اللَّه عنه- يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ (١) وَفَقْرِهِ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عُذْرَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَ: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، وَلَا أَنْفَعُهُ بِنَفْعٍ أَبَدًا، بَعْدَ الذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، وَأَدْخَلَ عَلَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: {وَلَا يَأْتَلِ (٢) أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٣).

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-: بَلَى وَاللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ التِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ -رضي اللَّه عنه-: وَاللَّهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبْدًا (٤).

وَفِي هَذَا المَوْقِفِ نَطَّلِعُ عَلَى أُفُقٍ عَالٍ مِنْ آفَاقِ النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ، التِي تَطَهَّرَتْ بِنُورِ اللَّهِ. . . أُفُقٌ يُشْرِقُ فِي نَفْسِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه-، أَبِي بَكْرٍ الذِي سَمِعَ حَدِيثَ الإِفْكِ فِي أَعْمَاقِ قَلْبِهِ، وَالذِي احْتَمَلَ مَرَارَةَ الِاتِّهَامِ لِبيْتِهِ وَعِرْضِهِ، فَمَا يَكَادُ يَسْمَعُ دَعْوَةَ رَبِّهِ إِلَى العَفْوِ، وَمَا يَكَادُ يَلْمَسُ وُجْدَانَهُ ذَلِكَ السُّؤَالُ


(١) أم مسطح تكون بنت خالة أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-. انظر الإصابة (٦/ ٧٤).
(٢) ولا يأتل: أي ولا يحلف. انظر تفسير ابن كثير (٦/ ٣١).
(٣) سورة النور آية (٢٢).
(٤) أخرج قصة إعادة نفقة أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- على مسطح -رضي اللَّه عنه-: البخاري في صحيحه - كتاب التفسير - باب {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} - رقم الحديث (٤٧٥٠) - ومسلم في صحيحه - كتاب التوبة - باب فِي حديث الإفك - رقم الحديث (٢٧٧٠) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (٢٤٣١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>