للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* حِصَارُ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثُمَّ جَلَاؤُهُمْ:

فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ يَهُودَ بَنِي قَيْنُقَاعَ نَقَضُوا العَهْدَ وَالمِيثَاقَ، وَتَوَسَّعُوا فِي اسْتِفْزَازِهِمْ سَارَ إِلَيْهِمْ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى المَدِينَةِ أَبَا لُبَابَةَ بَشِيرَ بنَ عَبْدِ المُنْذِرِ -رضي اللَّه عنه-، وَدَفَعَ اللِّوَاءَ إِلَى حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ -رضي اللَّه عنه-، وَكَانَ لِوَاءً أَبْيَضَ.

فَلَمَّا رَأَوْا المُسْلِمِينَ تَحَصَّنُوا فِي حُصُونِهِمْ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَشَدَّ الحِصَارِ، وَدَامَ الحِصَارُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً إِلَى هِلَالِ ذِي القَعْدَةِ، حَتَّى قَذَفَ اللَّهُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَكُتِّفُوا (١).

فَحِينَئِذٍ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ أُبَيِّ بنِ سَلُولٍ لَعَنَهُ اللَّهُ بِدَوْرِهِ النِّفَاقِيِّ، فَأَلَحَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ -وَكَانَ بَنُو قَيْنُقَاعَ حُلَفَاءَ الخَزْرَجِ- فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَأَدْخَلَ ابنُ سَلُولٍ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَرْسِلْنِي" وَغَضِبَ حَتَّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلًا (٢)، ثُمَّ قَالَ: "وَيْحَكَ أَرْسِلْنِي" قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أُرْسِلُكَ حَتَّى تُحْسِنَ فِي


(١) الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (٢/ ٢٦٤) - البداية والنهاية (٤/ ٣٧٧).
(٢) قال السهيلي في الروض الأنف (٣/ ٢٢٤): الظُلَلُ: جمع ظُلَّة، وهي ما حَجَبَ عنك ضَوْءُ الشمس وصَحْوُ السماء، وكان وجه رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مشرقًا بَسَّامًا، فإذا غَضِبَ تلوَّن ألوانًا، فكانت تلكَ الألوانُ حَائِلَةً دُون الإشْرَاق والطلاقَةِ والضِّيَاءِ المنتشرِ عند تبَسُّمِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

<<  <  ج: ص:  >  >>