للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهَذا في شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ الخامِسَةِ لِلْبِعْثَةِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا دُونَ مَكَّةَ بِساعَةٍ تَبَيَّنَتْ لَهُمُ الحَقِيقَةُ، وعَرَفُوا أَنَّ المُشْرِكِينَ أشَدُّ ما يَكُوُنونَ خُصُومًا للَّهِ ورَسُولِهِ وللْمُسْلِمِينَ، فَهَمُّوا بالرُّجُوعِ إِلَى أَرْضِ الحَبَشَةِ، فَقَالُوا: قَدْ بَلَغْنا مَكَّةَ، فَدَخَلُوا مَكَّةَ، وَلَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا مُسْتَخْفِيًا، أَوْ في جِوَارِ رَجُلٍ مِنْ قُريْشٍ، وَعَادَ بَعْضُهُمْ إِلَى الحَبَشَةِ (١).

* عُثْمَانُ بنُ مَظْعُونٍ -رضي اللَّه عنه- يَدْخُلُ بِجِوَارٍ:

كَانَ مِمَّنْ دَخَلَ مَكَّةَ فِي جِوارٍ عُثْمَانُ بنُ مَظْعُونٍ -رضي اللَّه عنه-، دَخَلَ في جِوَارِ الوَلِيدِ بنِ المُغِيرَة، فَلَمَّا رَأَى ما يُفْعَلُ بالمُسْلِمِينَ مِنَ الأَذَى، قَالَ: واللَّهِ إِنَّ غُدُوِّي ورَواحِي آمِنًا بِجِوارِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وأصْحَابِي وأهْلُ دِيني يَلْقَوْنَ مِنَ البَلَاءَ وَالْأَذَى في اللَّهِ مَا لَا يُصِيبُنِي، لَنَقْصٌ كَبِيرٌ في نَفْسِي، فَمَشَى إلى الوَليدِ بنِ المُغِيرَةِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أبَا عَبْدِ شَمْسٍ، وَفَتْ ذِمَّتُكَ، وَقَدْ رَدَدْتُ إلَيْكَ جِوارَكَ، فَقَالَ لَهُ الوَليدُ: لِمَ يا ابْنَ أخِي؟ لَعَلَّهُ آذاكَ أحدٌ مِنْ قَوْمِي، وَأَنْتَ في ذِمَّتِي؟ قَالَ: لا، ولَكِنِّي أرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ، وَلَا أُرِيدُ أَنْ أَسْتَجِيرَ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ الوَليدُ لَهُ: فانْطَلِقْ إِلَى المَسْجِدِ، فارْدُدْ عَلَيَّ جِوارِي عَلانِيَة كَمَا أجَرتُكَ عَلانِيَةً، فانْطَلَقا حَتَّى أتَيَا المَسْجِدَ، ققالَ الوَليدُ: هَذَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ قَدْ جَاءَ يَرُدُّ عَلَيَّ جِوارِي، فَقَالَ عُثْمَانُ: صَدَقَ، وَقَدْ وَجدْتُهُ وَفيًّا كَرِيمَ الجِوارِ، ولَكِنِّي قَدْ أحْبَبْتُ أَلَّا أسْتَجِيرَ بِغَيْرِ


(١) انظر الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (١/ ٩٩) - البداية والنهاية (٣/ ٧٤) - زاد المعاد (٣/ ٢١) - سيرة ابن هشام (١/ ٤٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>