للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلَى الإِمَامِ دِيَتُهُ مِنْ بَيْتِ المَالِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَرَادَ أَنْ يَدِيَ اليَمَانَ أَبَا حُذَيْفَةَ، فَامْتَنَعَ حُذَيْفَةُ مِنْ أَخْذِ الدِّيَةِ، وَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى المُسْلِمِينَ (١).

* ذِكْرُ بَعْضِ الحِكَمِ وَالغَايَاتِ المَحْمُودَةِ التِي كَانَتْ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ:

لَقَدْ بَسَطَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الفَذِّ "زَادِ المَعَادِ" الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ التِي كَانَتْ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

١ - فَمِنْهَا تَعْرِيفُهُمْ سُوءَ عَافِتةِ المَعْصِيَةِ، وَالفَشَلِ، وَالتَّنَازُعِ، وَأَنَّ الذِي أَصَابَهُمْ إِنَّمَا هُوَ بِشُؤْمِ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (٢). فَلَمَّا ذَاقُوا عَاقِبَةَ مَعْصِيَتَهِمْ لِلرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَتَنَازُعِهِمْ، وَفَشَلِهِمْ، كَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَشَدَّ حَذَرًا وَيَقْظَةً، وَتَحَرُّزًا مِنْ أَسْبَابِ الخُذْلَانِ.

٢ - وَمِنْهَا أَنَّ حِكْمَةَ اللَّهِ وَسُنَّتَهُ فِي رُسُلِهِ، وَأَتْبَاعِهِمْ، جَرَتْ بِأَنْ يُدَالُوا مَرَّةً، وَيُدَالَ عَلَيْهِمْ أُخْرَى، لَكِنْ تَكُونُ لَهُمُ العَاقِبَةُ، فَإِنَّهُمْ لَوِ انتصَرُوا دَائِمًا، دَخَلَ مَعَهُمُ المُؤْمِنُونَ وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ يَتَمَيَّزِ الصَّادِقُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوِ انْتُصِرَ عَلَيْهِمْ


(١) انظر زاد المعاد (٣/ ١٨٩ - ١٩٦).
(٢) سورة آل عمران آية (١٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>