للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالِاسْتِغَاثَةِ، بَلْ لَقَدْ كَانَ هُوَ الْعَمَلُ المْتُكَرِّرُ الدَّائِمُ الذِي ظَلَّ يَفْزَعُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كُلَّمَا لَقِيَ عَدُوًّا أَوْ سَارَ إِلَى جِهَادٍ، وِهَي الْوَسِيلَةُ التِي تَعْلُو فِي تَأْثِيرِهَا عَلَى كُلِّ الْأَسْبَابِ وَالْوَسَائِلِ الْمَادِّيَّةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ الْوَسِيلَةُ التِي لَا تَصْلُحُ حَالُ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا إِذَا قَامَتْ عَلَى أَسَاسِهَا بِعِنَايَةٍ كَامِلَةٍ (١).

* هَزِيمَةُ الْأَحْزَابِ:

وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دُعَاءَ رَسُولهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَالْمُؤْمِنِينَ، فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْأَحْزَابِ رِيحًا شَدِيدَةً فِي لَيْلَةٍ شَاتيَةٍ بَارِدَةٍ، فَجَعَلَتْ تَكْفَأُ قُدُورَهُمْ، وَتُطْفِئُ نِيرَانَهُمْ، وَتَهْدِمُ خِيَامَهُمْ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ لَمْ يَكَدْ يَهْتَدِي إِلَى رَحْلِهِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صحِيحَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا (٢)، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ" (٣).

وَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مَعَ الرِّيحِ جُنْدًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ تزلْزِلُهُمْ، وَتُلْقِي الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَامْتَلَأَتْ قُلُوبُ الْأَحْزَابِ رُعْبًا وَخَوْفًا وَهَلَعًا، وَفِي ذَلِكَ


(١) انظر فقه السيرة للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ص ٢٢٢.
(٢) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (٣/ ٢١٦): الصَّبَا: بِفَتْحِ الصَّادِ: هي الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ، ويُقَالُ لها القَبُولُ؛ لأنَّها تُقَابِلُ بابَ الكعبةَ إِذْ مَهَبُّهَا من مَشْرِقِ الشَّمْسِ، وضِدُّهَا الدَّبُورُ، وهي التي أُهْلِكَتْ بها قومُ عادٍ، ومن لطيف المناسبة كون القَبُولِ نَصَرَتْ أهلَ القَبولِ، وكون الدبور أهلكَتْ أهلَ الأدبار.
(٣) أخرجه البخاري - كتاب الاستسقاء - باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نصرت بالصبا" - رقم الحديث (١٠٣٥) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب صلاة الاستسقاء - باب في ريح الصبا والدبور - رقم الحديث (٩٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>