ثم جَمَعَ الصحابة فاستشارهم في وضع تاريخ يتعرَّفُون به حُلُولَ الديون وغير ذلك، فقال قائل: أرِّخوا كتاريخِ الفرس فكَرِه عمر -رضي اللَّه عنه- ذلك، وكانت الفرس يؤرخون بمُلُوكهم واحد بعد واحد، وقال قائل: أرخوا بتاريخ الرُّوم، وكانوا يؤرخون بملك إسكندر بن فلبس المَقْدُوني فكَرِه عمر -رضي اللَّه عنه- ذلك، وقال آخرون أرخوا بمولد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال آخرون: بل بمبعثه، وقال آخرون: بل بهجرته، وقال آخرون: بل بوفَاته، فمال عمر -رضي اللَّه عنه- إلى التاريخ بالهجرة لظهورهِ واشتهارِه، واتفقوا معه على ذلك. وقال الحافظ في الفتح (٧/ ٦٨٧): وقد أبدى بعضهم للبداءة بالهجرة مُناسبة، فقال: كانت القضايا التي اتفقت له، ويمكن أن يُؤَرَّخ بها أربعة: مولده، ومبعثه، وهجرته، ووفاته -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرجح عندهم جعلها من الهجرة لأن المولِدَ والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة، وأما الوفاة فأعرضوا عنه لما تُوقِع بذكره من الأسَفِ عليه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فانحَصَر في الهِجْرة، وإنما أخَّروه من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداءَ العزْمِ على الهجرة كان في المحرم، إذ البيعة -أي بيعة العقبة الثانية- وقعت أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلالٍ استهل بعد البيعة، والعزم على الهجرة هلال المحرم فناسبَ أن يجعل مبتدأ، وهذا أقْوَى ما وقفتُ عليه من مناسبةِ الابتداء بالمحرم.