للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ بنَاءِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ إِلَى فَرْضِ زَكَاةِ الفِطْرِ

أُسُسُ بنَاءِ المُجْتَمَع الإِسْلامِيِّ في المَدِينَةِ

أَوَّلًا: بِنَاءُ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ (١)

أوَّلُ عَمَلٍ قَامَ بِهِ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعْدَ نُزُولِهِ في بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ الأنْصَارِيِّ -رضي اللَّه عنه- هُوَ بِنَاءُ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ نَاقَةَ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَرَكَتْ في مِرْبَدٍ لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وسَهْلٍ، غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، وكَانَ الذِي يَكْفُلُهُمَا أسْعَدُ بنُ زُرَارَةَ -رضي اللَّه عنه- (٢).


(١) قال الشَّيخ علي الطنطاوي في كِتابه رجال من التاريخ ص ١٩: نحنُ الآنَ مع الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في المدينةِ. إنه يُؤَسِّس الدولة الحديثة، فَبِمَ ترَوْنَهُ يبدأ؟ بمِهرجان فَخْمٍ يبايعونه فيه بالملك؟ إنه لا يُريد الملك، يَبني ثَكَنة -الثَّكنة: هي مراكز الأجنادِ على راياتهم- باحتفالٍ عظيمٍ ويُجيش جيشًا؟ إنه لا يَبْتغي العُلُوَّ في الأرض، يَفْرِضُ الضَّرَائب؟ لا، ولكن يبدأ بِعِمارة المسجد. إنها ظاهرةٌ عَظيمة يَحْسُنُ أن يقِف القارئ عندها. يبدأ بالمسجد، كما بَدَأ الوحي بآية (القِراءة) و (التَّعْليم) بالقلم.
بدأ بالمسجدِ، والمسجدُ في الإِسلام، هو مكان العبادةِ (رمز) الإيمان, وهو البَرْلَمَانُ (رمز) العدل، وهو المَدْرَسَة (رمز) العلم.
ولم يَغْصُبْهُ، بل شَراه بالمال، وذلك (رمزُ) الإنصاف، ولم يأمُر ببنائه ويَقْعد، بل شَارك أصحابه العمل، وحَمَل الحجارةَ بيدهِ الشريفة -صلى اللَّه عليه وسلم- وهذا (رمز) التواضُع، وبَنَاه من اللَّبِن والطين، بلا زخارف ولا نُقُوش، وهذا (رمز) البَسَاطة. فكان من هذه (الرموز) الإيمان والعدل والعلم والأنصاف والتواضع والبساطة مجموعة شعائر الإِسلام.
(٢) أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب هجرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة - رقم الحديث (٣٩٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>