للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* إِسْلَامُ إِيَاسِ بنِ مُعَاذٍ:

كَانَ إِيَاسُ بنُ مُعَاذٍ غُلَامًا حَدَثًا مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الأشْهَلِ، قَدِمَ مَكَّةَ فِي وَفْدِ الأوْسَ يَلْتَمِسُونَ الحِلْفَ (١) مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى قَوْمِهِمْ مِنْ الخَزْرَجِ، وَذَلِكَ قُبَيْلَ حَرْبِ بُعَاثٍ، فنَزَلُوا عَلَى عُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، فَأَكْرَمَهُمْ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ وَإِلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُحَالِفُوهُمْ عَلَى قِتَالِ الخَزْرَجِ، فَسَمعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَتَاهُمْ وَجَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ لَكُمْ فِي خَيْرٍ مِمَّا جِئتمْ لَهُ؟ فَقَالُوا لَهُ: وَمَا ذَاكَ؟

قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي إِلَى العِبَادِ، أَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الكِتَابَ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمُ الإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ القُرْآنَ، فَقَالَ إِيَاسُ بنُ مُعَاذٍ: أَيْ قَوْمُ! هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ.

فَأَخَذَ أَبُو الحَيْسَرِ، وَاسْمُهُ أَنَسُ بنُ رَافِعٍ حَفْنَةً (٢) مِنْ تُرَابِ البَطْحَاءِ فَضَرَبَ بِهَا وَجْهَ إِيَاسِ بنِ مُعَاذٍ، وَقَالَ: دَعْنَا مِنْكَ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ هَذَا، مَا قَدِمَ وَفْدٌ إِذًا عَلَى قَوْمٍ بِشَرِّ مِمَّا قَدِمْنَا بِهِ عَلَى قَوْمِنَا، إِنَّا خَرَجْنَا نَطْلُبُ حِلْفَ قُرَيْشٍ عَلَى عَدُوِّنَا، فنَرْجعُ بِعَدَاوَةِ قُرَيْشٍ مَعَ عَدَاوَةِ الخَزْرَجِ، فَصَمَتَ إِيَاسٌ، وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْهُمْ، وَانْصَرَفُوا إِلَى المَدِينَةِ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثٍ بَيْنَ الأوْسِ وَالخَزْرَجِ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إِيَاسُ بنُ مُعَاذٍ أَنْ هَلَكَ، وَكَانَ يُهَلِّلُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيُكَبِّرُهُ، وَيَحْمَدُهُ، وَيُسَبِّحُهُ عِنْدَ


(١) أصْلُ الحَلِفِ: المُعَاقَدَةُ والمُعَاهد على التَّعَاضُدِ والتَّسَاعُدِ والاتَفاقِ. انظر النهاية (١/ ٤٠٧).
(٢) الحَفْنَةُ: مِلْءُ الكَفِّ. انظر النهاية (١/ ٣٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>