للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَتْ تُقَاتِلُ يَوْمَئِذٍ أَشَدَّ القِتَالِ، وأَبْلَتْ بَلَاءً حَسَنًا، وَإِنَّهَا لَحَاجِزَةٌ (١) ثَوْبَهَا عَلَى وَسَطِهَا، حَتَّى جُرِحَتْ اثْنَيْ عَشَرَ جُرْحًا، وكَانَ قَدْ ضَرَبَهَا ابنُ قَمِئَةَ -قبَّحَهُ اللَّهُ- ضَرْبَةً عَلَى عَاتِقِهَا (٢)، وَكَانَ أَعْظَمَ جِرَاحِهَا، فَدَاوَتْهُ سَنَةً، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ: "مَنْ يُطِيقُ مَا تُطِيقِينَ يَا أُمَّ عِمَارَةَ؟ "، فَقَالَتْ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ نُرَافِقَكَ في الجَنَّةِ. فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُمْ رُفَقَائِي في الجَنَّةِ". فَقَالَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا أُبَالِي مَا أَصَابَنِي مِنَ الدُّنْيَا (٣).

قَالَ الدُّكْتُور مُحَمَّد أَبُو شَهْبَة رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنَّ الإِنْسَانَ لَيُدْهَشُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَاعَةِ التِي لَا نَكَادُ نَجِدُ لَهَا مِثَالًا في تَارِيخِ الدُّنْيَا، وَإِنَّ لِهَذِهِ السَّيَدَةِ البَطَلَةِ لَتَارِيخًا حَافِلًا في بَابِ الجِهَادِ في الإِسْلَامِ، . . . وَشَهِدَتْ كَذَلِكَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَأَبْلَت بَلَاءً حَسَنًا في حُرُوبِ الرِّدَّةِ (٤).

* جِهَادُ النِّسَاءِ:

وَلقدْ ضَرَبَ نِسَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ، أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ في غَزْوَةِ أُحُدٍ العَظِيمَةِ، فكُنَّ يَسْقِينَ العَطْشَى، وَيُدَاوِينَ الجَرْحَى، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَنَسٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: . . . وَلقدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ،


(١) احتَجَزَ الرجُلُ بالإزَارِ: إذا شده على وَسَطِه. انظر النهاية (١/ ٣٣٢).
(٢) العَاتِقُ: ما بين المِنْكَبِ والعُنُق. انظر لسان العرب (٩/ ٣٨).
(٣) انظر الطبَّقَات الكبْرى لابن سعد (٨/ ٤٤١) - سير أعلام النبلاء (٢/ ٢٧٩) - سيرة ابن هشام (٣/ ٩١).
(٤) انظر السِّيرة النَّبوِية في ضوء القرآن والسنة للدكتور محمد أبو شهبة (٢/ ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>