كَلِمَةٌ بَيْنَ يَدَيْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
وَلَمَّا تَمَّ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى، مِنْ تَطْهِيرِ نُفُوسِ الْأُمَّةِ مِنْ شَوَائِبِ الْوَثَنِيَّةِ، وَعَادَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَارَتِهَا بِنُورِ الْإِيمَانِ، وَإِشْعَالِ مَجَامِرِهَا بَالْحُبِّ وَالْحَنَانِ، وَتَمَّ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مِنْ تَطْهِيرِ بَيْتِهِ مِنَ الرِّجْسِ وَالْأَوْثَانِ، وَتَاقَتْ نُفُوسُ الْمُسْلِمِينَ، الذِينَ بَعُدَ عَهْدُهُمْ عَنْ حَجِّ الْبَيْتِ، وَطفَحَتْ كَأْسُ الْحُبِّ وَالْحَنَانِ، حَتَّى فَاضَتْ، وَدَنَتْ سَاعَةُ الْفِرَاقِ، وَأَلْجَأَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى وَدَاعِ الْأُمَّةِ، آذَنَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي الْحَجِّ.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ الْمَدِينَةِ لِيَحُجَّ الْبَيْتَ، وَيَلْقَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُعَلِّمَهُمْ دِينَهُمْ وَمَنَاسِكَهُمْ، وَيُؤَدِّيَ الشَّهَادَةَ، ويُبَلِّغَ الْأَمَانَةَ، وَيُوصِي الْوَصَايَا الْأَخِيرَةَ، وَيَأْخُذَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، وَيَمْحُوَ آثارَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَطْمِسَهَا وَيَضَعَهَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ.
وَكَانَتْ هَذِهِ الْحَجَّةُ تَقُومُ مَقَامَ أَلْفِ خُطْبَةٍ، وَأَلْفِ دَرْسٍ، وَكَانَتْ مَدْرَسَةً مُتَنَقِّلَةً، وَمَسْجِدًا سَيَّارًا، وَثُكَنَةً (١) جَوَّالَةً، يتعَلَّمُ فِيهَا الْجَاهِلُ، وَيَنْتَبِهُ الْغَافِلُ، وَيَنْشَطُ فِيهَا الْكَسْلَانُ، وَيَقْوَى فِيهَا الضَّعِيفُ، وَكَانتْ سَحَابَةَ رَحْمَةٍ تَغْشَاهُمْ فِي
(١) الثُّكَنَةُ: بضم الثاء مراكز الجند. انظر لسان العرب (٢/ ١١٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute