للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* تَشَاوُرُ قُرَيْشٍ لِصَدِّ الحُجَّاجِ عَنِ اسْتِمَاعِ الدَّعْوَةِ:

اسْتَمَرَّ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- علَى ما هُوَ عَلَيْهِ يُظْهِرُ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى، ويَدْعُو إِلَيْهِ حتَّى اقْتَرَبَ مَوْسِمُ الحَجِّ، وعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ وُفُودَ العَرَبِ سَتَقْدُمُ عَلَيْهِمْ، واحْتَارُوا في أمْرِ الرَّسُولِ-صلى اللَّه عليه وسلم-، وكَيْفَ يَحُولُونَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الحُجَّاجِ، لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ صَادِقٌ أمِينٌ، فَاتَّفَقُوا أَنْ يَصِفُوا الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنَّهُ سَاحِرٌ، وهُوَ رَأْيُ الوَليدِ بنِ المُغِيرَةِ لَعَنَهُ اللَّهُ.

وبَعْدَ أنِ اتَّفَقَتْ قُرَيْشٌ عَلَى هذَا القَرَارِ بَاشَرُوا في تَنْفِيذهِ، فَجَلَسُوا بِسُبُلِ النَّاسِ حِينَ قَدِمُوا المَوْسِمَ، لا يَمُرُّ بهِمْ أَحَدٌ إِلَّا حَذَّرُوهُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وذَكَرُوا لهُ أمْرَهُ.

والذِي تَوَلَّى كِبْرَ ذَلِكَ هُوَ أَبُو لَهَبٍ، فقَدْ كَانَ رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يتْبَعُ النَّاسَ إِذَا وَافَى المَوْسِمَ في مَنَازِلهِمْ، وفِي عُكَاظٍ (١) ومِجَنَّةٍ (٢) وذِي المَجَازِ (٣) يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، ويُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وأَبُو لَهَبٍ خَلْفَهُ يقُولُ: لا تُطِيعُوهُ ولا تَسْمَعُوا مِنْهُ، فَإِنَّهُ صَابِئٌ كذَّابٌ.

روَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ، وابْنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بنِ عِبَادٍ الدَّيْلِيِّ (٤) وَكَانَ جَاهِلِيًّا أسْلَمَ، فقَالَ: رأيْتُ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بَصَرَ


(١) عُكَاظٌ: موضِعٌ بِقُرْبِ مَكةَ، كانت تُقَامُ به في الجاهلية سوقٌ يُقِيمونَ فيه أيَّامًا. انظر النهاية (٣/ ٢٥٧).
(٢) مِجَنَّةٌ: هو مَوْضِعٌ بأسفَلِ مَكَّةَ على أميالٍ، وكان يقَامُ بها للعرَبِ سوق. انظر النهاية (٤/ ٢٥٧).
(٣) ذِي المَجَازِ: هو مَوْضِعُ سوق على مسافةِ فرسَخٍ من عَرَفَةَ كانت تقومُ في الجاهليَّة ثمانية أيَّام. انظر معجم البلدان (٥/ ٦٦).
(٤) هو رَبِيعَةُ بن عِبَادٍ الدَّيْلِيُّ يُعدُّ في أهل المدينة، وعُمِّر عُمُرًا طَوِيلًا.
قال الحافظ في الإصابة (٢/ ٣٩٠): ماتَ في خِلافةِ الوَليد.

<<  <  ج: ص:  >  >>