يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى قَضَاءَ حَاجَتِهِ.
* مَقُوَلةُ أَوْسِ بْنِ قَيْظِيٍّ:
وَقَالَ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ مِنَ الْعَدُوِّ، فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَخْرُجَ فنَرْجعُ إِلَى دَارِنَا فَإِنَّهَا خَارجَ الْمَدِينَةِ، نَخْشَى عَلَيْهَا السَّرِقَةَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَا يَسْتَأْذِنُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا أَذِنَ لَهُ، وَفِي هَؤُلَاءِ نزلَ قَوْلُه تَعَالَى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (١٢) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} (١).
وَجَدَ هَؤُلَاءَ الْمُنَافِقُونَ فِي الْكَرْبِ الْمُزَلْزِلِ، وَالشِّدَّةِ الْآخِذَةِ بِالْخِنَاقِ فُرْصَةً لِلْكَشْفِ عَنْ خَبِيئَةِ نُفُوسِهِمْ وَهُمْ آمِنُونَ مِنْ أَنْ يَلُومَهُمْ أَحَدٌ، وَفُرْصَةً لِلتَّوْهِينِ وَالتَّخْذِيلِ وَبَثِّ الشَّكِّ وَالرِّيبَةِ فِي وَعْدِ اللَّهِ وَوَعْدِ رَسُولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَهُمْ مُطْمَئِنُّونَ أَنْ يَأْخُذَهُمْ أَحَدٌ بِمَا يَقُولُونَ. فَالْوَاقِعُ بِظَاهِرِهِ يُصَدِّقُهُمْ فِي التَّوْهِينِ وَالتَّشْكِيكِ، وَهُمْ مَعَ هَذَا مَنْطِقِيُّونَ مَعَ أَنْفُسِهِمْ وَمَشَاعِرِهِمْ، فَالْهَوْلُ قَدْ أَزَاحَ عَنْهُمْ ذَلِكَ السِّتَارَ الرَّقِيقَ مِنَ التَّجَمُّلِ، وَرَوَّعَ نُفُوسَهُمْ تَرْوِيعًا لَا يَثْبُتُ لَهُ إِيمَانُهُمْ الْمُهَلْهَلُ! فَجَهَرُوا بِحَقِيقَةِ مَا يَشْعُرُونَ غَيْرَ مُبْقِينَ وَلَا مُتَجَمِّلِينَ!
وَمِثْلُ هَؤُلَاءَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُرْجِفِينَ قَائِمُونَ فِي كُلِّ جَمَاعَةٍ، وَمَوْقِفُهُمْ فِي
(١) سورة الأحزاب آية (١٢ - ١٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute