للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا النُّعَاسُ يَغْشَاهُمْ، ثُمَّ يَصْحَوْنَ مِنْهُ وَالسَّكِينَةُ تَغْمُرُ نُفُوسَهُمْ، وَالطُّمَأْنِينَةُ تَفِيضُ عَلَى قُلُوبِهِمْ. . . وَلقدْ كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى هَذِهِ الآيَاتِ، وَأَقْرَأُ أخْبَارَ هَذَا النُّعَاسِ، فَأُدْرِكُهُ كَحَادِثٍ وَقَعَ، يَعْلَمُ اللَّه سِرَّهُ، وَيُحْكَى لَنَا خَبَرُهُ. . . ثُمَّ إِذَا بِي أَقَعُ في شِدَّةٍ، وَتَمُرُّ عَلَيَّ لَحَظَاتٌ مِنَ الضَّيْقِ المَكْتُومِ، والتَّوَجُّسِ القَلِقِ، في سَاعَةِ غُرُوبٍ. . . ثُمَّ تُدْرِكُنِي سِنَة مِنَ النَّوْمِ لَا تَتَعَدَّى بِضْعَ دَقَائِقَ. . . وَأَصْحُو إِنْسَانًا جَدِيدًا غَيْرَ الذِي كَانَ. . . سَاكِنَ النَّفْسِ. . . مُطْمَئِنَّ القَلْبِ، مُسْتَغْرِقًا في الطُّمَأْنِينَةِ الوَاثِقَةِ العَمِيقَةِ. . . كَيْفَ تَمَّ هَذَا؟ كَيْفَ وَقَعَ هَذَا التَّحَوُّلُ المُفَاجِئُ؟ لَسْتُ أَدْرِي! وَلَكِنِّي بَعْدَهَا أُدْرِكُ قِصَّةَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ. أُدْرِكُهَا في هَذِهِ المَرَّةِ بِكَيَانِي كُلِّهِ لَا بِعَقْلِي، وَأسْتَشْعِرُهَا حَيَّةً في حِسِّي لَا مُجَرَّدَ تَصَوُّرٍ. . . لَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الغَشْيَةُ، وَهَذِهِ الطُّمَأْنِينَةُ، مَدَدًا مِنْ أَمْدَادِ اللَّهِ لِلْعُصْبَةِ المُسْلِمَةِ يَوْمَ بَدْرٍ (١).

قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ: وَكَأَنَّ ذَلِكَ -أَي النُّعاسَ- كَانَ سَجِيَّةً لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ شِدَّةِ البَأْسِ؛ لِتَكُونَ قُلُوُبهُمْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً بِنَصْرِ اللَّهِ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ بِهِمْ وَنِعَمِهِ عَلَيْهِمْ (٢).

* صَلَاةُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِاللَّيْلِ:

أَمَّا الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَدْ بَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ يُصَلِّي تَحْتَ شَجَرَةٍ، يَتَضَرَّعُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَيَبْكِي، وَيُكْثِرُ في سُجُودِهِ قَوْلَ: "يَا حَيُّ يَا قيّومُ"، يُكَرِّرُ ذَلِكَ


(١) في ظلال القرآن (٣/ ١٤٨٤).
(٢) انظر تفسير ابن كثير (٤/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>