* نُزُولُ الْوَحْي مَرَّةً ثَانِيَةً وَالْأَمْرُ بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى:
لَمَّا عَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَعْرِفَةَ الْيَقِينِ أَنَّهُ أَضْحَى نَبِيًّا للَّهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، وَأَنَّ الَّذِي جَاءَهُ هُوَ الْوَحْيُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَصَارَ تَشَوُّقُهُ وَارْتِقَابُهُ لِمَجِيءِ الْوَحْي سَبَبًا فِي ثَبَاتِهِ، وَاحْتِمَالِهِ عِنْدَمَا يَعُودُ، جَاءَهُ جِبْرِيلُ عليهِ السَّلامُ لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ.
وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَثْنَاءَ فَتْرَةِ الْوَحْي يَذْهَبُ إِلَى غَارِ حِرَاءٍ، فَيَخْلُو فِيهِ، وَبَيْنَا هُوَ نَازِلٌ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ سَمِعَ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا جِبْرِيلُ عليهِ السَّلامُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا سَادًّا مَا بَيْنَ الْأُفُقِ، فَرُعِبَ مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ خَدِيجَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي"، فزَمَّلُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (١).
إِنَّهُ النِّدَاءُ الْعُلْوِيُّ الْجَلِيلُ، لِلْأَمْرِ الْعَظِيمِ الثَّقِيلِ. . . نَذَارَةُ هَذِهِ الْبَشَرِيَّةِ وَإِيقَاظُهَا، وَتَخْلِيصُهَا مِنَ الشَّرِّ فِي الدُّنْيَا، وَمِنَ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ، وَتَوْجِيهُهَا إِلَى طَرِيقِ الْخَلَاصِ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ. . . وَهُوَ وَاجِبٌ ثَقِيلٌ شَاقٌّ، حِينَ يُنَاطُ بِفَرْدٍ مِنَ الْبَشَرِ -مَهْمَا يَكُنْ نَبِيًّا رَسُولًا- فَالْبَشَرِيَّةُ مِنَ الضَّلَالِ وَالْعِصْيَانِ، وَالتَّمَرُّدِ، وَالْعُتُوِّ، وَالْعِنَادِ، وَالْإِصْرَارِ، وَالِالْتِوَاءِ، وَالتَّفَصِّي مِنَ هَذَا الْأَمْرِ، بِحَيْثُ تَجْعَلُ
(١) سورة المدثر آية (١ - ٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute