للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَضَاجِعَهُمْ، أَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَتَى فِرَاشَهُ حَتَّى يَرَاهُ مَنْ أَرَادَ بِهِ مَكْرًا، فَإِذَا نَامَ النَّاسُ، أَخَذَ أَحَدَ بَنِيهِ أَوْ إخْوَتَهُ أَوْ بَنِي عَمِّهِ، فَأَضْجَعَهُ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَأْتِيَ بَعْضَ فُرُشِهِمْ فَيَرْقُدَ عَلَيْهَا (١).

* شِدَّةُ الحِصَارِ:

لَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَالمُسْلِمُونَ فِي الشِّعْبِ ثَلَاثَ سِنِينَ، واشْتَدَّ عَلَيْهِمْ فِيهِنَّ البَلَاءُ وَالجَهْدُ (٢)، فَقَدْ قَطَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ المِيرَةَ (٣) والمَادَّةَ، وَقَطَعَتْ عَلَيْهِمُ الأَسْوَاقَ، فكَانُوا لَا يَتْرُكُونَ طَعَامًا يَدْنُو مِنْ مَكَّةَ وَلَا بَيْعًا إِلَّا بَادَرُوا إِلَيْهِ فَاشْتَرَوْهُ دُونَهُمْ لَيَقْتُلَهُمُ الجُوعُ، وكَانَ أَبُو لَهَبٍ يَدُورُ بَيْنَ التُّجَّارِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: غَالُوا عَلَى أصْحَابِ مُحَمَّدٍ، حَتَّى لَا يُدْرِكُوا مَعَكُمْ شَيْئًا، وَأَنَا أدْفَعُ لَكُمْ أضْعَافًا مُضَاعَفَةً، فَيَزِيدُونَ عَلَيْهِمْ فِي السِّلْعَةِ قِيمَتَهَا أَضْعَافًا حَتَّى يَرْجعَ الرَّجُلُ إِلَى أَطْفَالِهِ، وهُمْ يَتَضَاغَوْنَ (٤) مِنَ الجُوعِ، ولَيْسَ فِي يَدَيْهِ شَيْءٌ يُطْعِمُهُمْ بِهِ، ويَغْدُو التُّجَّارُ عَلَى أَبِي لَهَبٍ فيُرْبِحُهُمْ، حَتَّى جَهِدَ المُؤْمِنُونَ، وَمَنْ مَعَهُمْ جُوْعًا وَعُرْيًا،


(١) انظر دلائل النبوة لأبي نعيم (١/ ٢٧٣).
(٢) قُلتُ: هذه إحدى الشَّدَائِدِ الثلاثِ التي دَلَّ عليها تأوِيلُ الغَطَّاتِ الثلاثِ التي غَطّ جِبرِيلُ عليهِ السلامُ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حينَ قَال له: اقرأ، قال: ما أنا بِقَارِيٍّ فغطَّهُ جبريلُ عليه السلام ثلاثَ مرَّاتٍ، وقد فصَّلْتُ فِي ذلكَ فِي بِداية نُزُولِ الوَحْي، فراجعه.
(٣) المِيرَةُ: هي الإبلَ التي تُحمَلُ عليهَا المِيرَةُ، وهي الطعَامُ ونحوُهُ، مما يُجلَبُ للبَيْعِ. انظر النهاية (٤/ ٣٢٣).
(٤) يتضاغون: يبكون. انظر لسان العرب (٨/ ٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>