للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ رَاكِبٌ نَاقَتَهُ القَصْوَاءَ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا خَلْفَهُ، عَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ (١)، وَاضِعًا رَأْسَهُ الشَّرِيفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ تَوَاضُعًا للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ حِينَ رَأَى مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الفَتْحِ، حَتَّى إِنَّ لِحْيَتَهُ لَتَكَادُ تَمَسُّ وَسَطَ رَحْلِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ يُرَجِّعُ (٢) بِهَا صَوْتَهُ (٣).

قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد الغَزَالِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ هَذَا الفَتْحَ المُبِينَ لَيُذَكِّرُهُ بِمَاضٍ طَوِيلِ الفُصُولِ، كَيْفَ خَرَجَ مُطَارَدًا؟ ، وَكَيْفَ يَعُودُ اليَوْمَ مَنْصُورًا مُؤَيَّدًا. . .؟ ! وَأَيُّ كَرَامَةٍ عُظْمَى حَفَّهُ اللَّهُ بِهَا فِي هَذَا الصَّبَاحِ المَيْمُونِ! وَكُلَّمَا اسْتَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- هَذه النَّعْمَاءَ ازْدَادَ للَّهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ خُشُوعًا وَانْحِنَاءً، وَيبدُو أَنَّ هُنَاكَ عَوَاطِفُ أُخْرَى كَانَتْ تَجِيشُ (٤) فِي بَعْضِ الصُّدُورِ (٥).

* اغْتِسَالُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي دَارِ أمِّ هَانِئٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:

وَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- دَارَ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ


(١) المِغْفر: هو ما يلبسه الدارع على رأسه. انظر النهاية (٣/ ٣٣٦).
وفي رواية أخرى في صحيح مسلم- رقم الحديث (١٣٥٨) قال جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وعليه عمامة سوداء بغير إحرام.
(٢) التَّرْجيع: هو ترديد القراءة، ومنه ترجيع الأذان. انظر النهاية (٢/ ١٨٥).
(٣) أخرج ذلك كله: البخاري في صحيحه - كتاب الحج - باب من أين يخرج من مكة - رقم الحديث (١٥٧٨) (١٥٧٩) - وكتاب المغازي - باب أين ركز النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الراية يوم الفتح - رقم الحديث (٤٢٨١) (٤٢٨٦) - وكتاب التفسير - باب {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} - رقم الحديث (٤٨٣٥) - ومسلم في صحيحه - كتاب الحج - باب جواز دخول مكة بغير إحرام - رقم الحديث (١٣٥٧) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (٥٧٦٨).
(٤) تَجِيش: أي تفيض. انظر لسان العرب (٢/ ٤٣٥).
(٥) انظر فقه السيرة ص ٣٨٠ للشيخ محمد الغزالي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>