للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ -رضي اللَّه عنه-، رَجُلًا شُجَاعًا يَخْتَالُ (١) في الحَرْبِ، وَكَانَتْ لَهُ عِصَابَةٌ (٢) حَمْرَاءُ إِذَا اعْتَصَبَ بِهَا عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ سَيُقَاتِلُ حَتَّى المَوْتِ، فَلَمَّا أَخَذَ السَّيْفَ عَصَبَ رَأْسَهُ بِتِلْكَ العِصَابَةِ ثُمَّ جَعَلَ يتبَخْتَرُ (٣) بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَلَمَّا رَآه الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- يتبَخْتَرُ قَالَ: "إِنَّهَا لَمِشْيَةٌ يبغِضُهَا اللَّهُ إِلَّا في مِثْلِ هَذَا المَوْطِنِ" (٤).

* جَوَازُ إِظْهَارِ الكِبْرِ في الحَرْبِ:

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَظَاهِرِ الكِبْرِ المُحَرَّمَةِ في الأَحْوَالِ العَامَّةِ، تَزُولُ حُرْمَتُهَا في حَالَاتِ الحَرْبِ، فَمِنْ مَظَاهِرِ الكِبْرِ المُحَرَّمَةِ أَنْ يَسِيرَ المُسْلِمُ في الأَرْضِ مَرَحًا (٥) مُتَبَخْتِرًا، وَلَكِنَّ ذَلِكَ في مَيْدَانِ القِتَالِ أَمْرٌ حَسَنٌ، وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَمِنْ مَظَاهِرِ الكِبْرِ المُحَرَّمَةِ تَزيينُ البُيُوتِ أَوِ الأَوَانِي وَالأَقْدَاحِ بِالذَّهَبِ


= دجانة - رقم الحديث (٢٤٧٠) - وأخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (١٢٢٣٥).
(١) يُقال: اختَال، يختَالُ: إذا تكبر. انظر النهاية (٢/ ٨٤).
(٢) العِصَابة: هي كل ما عَصَبْتَ به رأسك من عِمَامة أو مِنْدِيل أو خِرقة. انظر النهاية (٣/ ٢٢٠).
(٣) المتبَخْتِر: هو المتكبِّر في مشيتهِ المُعْجَبُ بنفسه. انظر النهاية (١/ ١٠١).
(٤) أخرج ذلك البيهقي في دلائل النبوة (٣/ ٢٣٣ - ٢٣٤).
(٥) قال اللَّه تَعَالَى في سورة لقمان آية (١٨): {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا}.
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ في تفسيره (٦/ ٣٣٩): أي متكبرًا جَبّارًا عَنِيدًا، لا تفعل ذلك يبغِضُك اللَّه، ولهذا قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} أي: مختال معجَبٍ في نفسه، فخورٍ: أي على غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>