للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحَتَّى سُمِعَ أصْوَاتُ صِبْيَانِهِمْ مِنْ وَرَاءِ الشِّعْبِ، واضْطُرُّوا إِلَى أَكْلِ وَرَقِ الشَّجِرَ والجُلُودِ، وهَلَكَ مِنْهُمْ مَنْ هَلَكَ.

أخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الحِلْيَةِ عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي اللَّه عنه- أَنَّهُ قَالَ: . . . خَرَجْتُ مِنَ اللَّيْلِ أَبُولُ، وَإِذَا أَنَا أَسْمَعُ بِقَعْقَعَةِ تَحْتَ بَوْلِي، فَإِذَا قِطْعَةٌ جِلْدِ بَعِيرٍ، فَأَخَذْتُهَا وغَسَلْتُهَا، ثُمَّ أحْرَقْتُهَا، ثُمَّ رَضَضْتُهَا (١) وسَفَفْتُهَا بِالمَاءَ (٢)، وَشَرِبْتُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ، فَقَوِيتُ بِهَا ثَلَاثًا (٣).

وَضُيِّقَ الحِصَارُ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَانْقَطَعَ عَنْهُمُ العَوْنُ، وَقَلَّ الغِذَاءُ حَتَّى بَلَغَ الجَهْدُ أَقْصَاهُ، وسُمِعَ بُكَاءُ أطْفَالِهِمْ مِنْ وَرَاءِ الشِّعْبِ، وعَضَّتْهُمُ الأَزَمَاتُ العَصِيبَةُ حَتَّى رَثَى لِحَالِهِمُ الخُصُومُ، ومَعَ اكْفِهْرَارِ (٤) الجَوِّ فِي وُجُوهِهِمْ، فَقَدْ تَحَمَّلُوا فِي ذَاتِ اللَّهِ الوَيْلَاتِ (٥).

وَقَدْ سَرَّ هَذَا الأَمْرُ كُفَّارَ قُرْيَشٍ، وَكَانَ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَبْعَث إِلَى المُحْصُورِينَ طَعَامًا إِلَّا سِرًّا مُسْتَخْفِيًا مِمَّنْ أَرَادَ صِلَتَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ مِمَّنْ يَصِلُهُمْ حَكِيمُ بنُ حِزَامٍ (٦) ابْنُ أَخِي السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وهِشَامُ بنُ


(١) رُضَاضُ الشَّيْءِ: فُتاتُهُ، وكلُّ شيءٍ كَسَرْتَهُ، فقد رضدته. انظر لسان العرب (٥/ ٢٣٠).
(٢) سَفَفْتُهَا بالمَاءَ: أي خَلَطْتُهَا بالماءِ. انظر لسان العرب (٦/ ٢٨٢).
(٣) انظر حلية الأولياء (١/ ١٣٦).
(٤) اكْفَهَرَّ: تَغَيَّرَ إلى الغُبْرَةِ مَعَ الغِلَظِ. انظر لسان العرب (١٢/ ١٣٠).
(٥) انظر فقه السيرة للشيخ محمَّد الغزالي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ص ١١٨.
(٦) أسلم حَكِيمُ بنُ حِزَامٍ -رضي اللَّه عنه- فِي فَتْحِ مكةَ وحسُن إسلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>