للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْمِكَ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: هَذَا رِزْقٌ قَدْ سَاقه اللَّهُ إِلَيْكَ.

فَخَرَجَ رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي مَالِهَا، وخَرَجَ مَعَهُ غُلَامُهَا "مَيْسَرَةُ" (١) وجَعَلَ عُمُومَتُهُ يُوصُونَ بِهِ أَهْلَ العِيرِ، حتَّى قَدِمَا "بُصْرَى" مِنَ الشَّامِ، فنَزَلَا فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ مِنَ الرُّهْبَانِ يُقَالُ لَهُ "نَسْطُورٌ" فَاطَّلَعَ الرَّاهِبُ إِلَى مَيْسَرَةَ فَقَالَ لَهُ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الذِي نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ؟

فَقَالَ لَهُ مَيْسَرَةُ: هذَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الحَرَمِ، فقَالَ الرَّاهِبُ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ قَطُّ إِلَّا نَبِيٌّ (٢).

ثُمَّ قَالَ لِمَيْسَرَةَ: أَفِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ لَا تُفَارِقُهُ، فقَالَ: هُوَ نَبِيٌّ وَهُوَ آخِرُ الأَنْبِيَاءَ.

ثُمَّ بَاعَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سِلْعَتَهُ التِي خَرَجَ بِهَا، فَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ مُلَاحَاةٌ (٣)، فقَالَ لَهُ: احْلِفْ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَقَالَ رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا حَلَفْتُ بِهِمَا قَطُّ، وإِنِّي لَأَمُرُّ فَأُعْرِضُ عَنْهُمَا"، فَقَالَ الرَّجُلُ: القَوْلُ قَوْلُكَ، ثُمَّ اشْترَى رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ، وأَقْبلَ قَافِلًا إِلَى مَكَّةَ، وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ.


(١) قال الحافظ في الإصابة (٦/ ١٨٩): لم أقِفْ علي رِوَايةٍ صريحةٍ بأنه بَقِيَ إلي البعثة.
(٢) قال الإمام السهيلي في الرَّوْض الأُنُف (١/ ٣٢٣): يُرِيدُ ما نزل تحتَهَا هذه السَّاعة إلا نَبِي، ولم يُرِد ما نزل تحتها قَطُّ إلا نبي، لبُعْدِ العَهْدِ بالأنبياء قبل ذلك، والشَّجَرَةُ لا تُعَمَّر في العَادَةِ هذا العُمُر الطويل حتى يَدْري أنه لم يَنْزِل تحتها إلا عِيسَى عليهِ السَّلامُ، أو غَيْرُهُ من الأنبياء.
(٣) المُلَاحَاةُ: المُلَاومَةُ والمُبَاغَضَهُ، ثم كثر ذلك حتى جعلت كل ممانعة ومدافعة، ملاحاة. انظر لسان العرب (١٢/ ٢٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>