للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأَسْبَابَ التِي تُوصِلُهُمْ إِلَيْهَا مِنِ ابْتِلَائِهِ وَامْتِحَانِهِ، كَمَا وَفَّقَهُمْ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التِي هِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ وُصُولهِمْ إِلَيْهَا.

٨ - وَمِنْهَا أَنَّ النُّفُوسَ تَكْتَسِبُ مِنَ العَافِيَةِ الدَّائِمَةِ وَالنَّصْرِ وَالغِنَى طُغْيَانًا وَرُكُونًا إلى العَاجِلَةِ، وَذَلِكَ مَرَضٌ يَعُوقُهَا عَنْ جِدِّهَا في سَيْرِهَا إلى اللَّهِ وَالدَّارِ الآخِرَةِ، فَإِذَا أَرَادَ بِهَا رَبّها وَمَالِكُهَا وَرَاحِمُهَا كَرَامَتَهُ، قَيَّضَ لَهَا مِنَ الِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ مَا يَكُونُ دَوَاءً لِذَلِكَ المَرَضِ العَائِقِ عَنِ السَّيْرِ الحَثِيثِ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ البَلَاءُ وَالمِحْنَةُ بِمَنْزِلَةِ الطَّبِيبِ يَسْقِي العَلِيلَ الدَّوَاءَ الكَرِيهَ، وَيَقْطَعُ مِنْهُ العُرُوقَ المُؤْلمَةَ لِاسْتِخْرَاجِ الأَدْوَاءِ (١) مِنْهُ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَغَلَبَتْهُ الأَدْوَاءُ، حَتَّى يَكُونَ فِيهَا هَلَاكُهُ.

٩ - وَمِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عِنْدَهُ مِنْ أَعْلَى مَرَاتِبِ أَوْليَائِهِ، وَالشُّهَدَاءُ هُمْ خَوَاصُّهُ وَالمُقَرَّبُونَ مِنْ عِبَادِهِ، وَلَيْسَ بَعْدَ دَرَجَةِ الصِّدِّيقِيَّةِ إِلَّا الشَّهَادَةُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ أَنْ يتَّخِذَ مِنْ عِبَادِهِ شُهَدَاءَ، تُرَاقُ دِمَاؤُهُمْ في مَحَبَّتِهِ وَمَرْضَاتِهِ، وَيُؤْثرُونَ رِضَاهُ وَمَحَابّه عَلَى نُفُوسِهِمْ، وَلَا سَبِيلَ إلى نَيْلِ هَذِهِ الدَّرَجَةِ إِلَّا بِتَقْدِيرِ الأَسْبَابِ المُفْضِيَةِ إِلَيْهَا مِنْ تَسْلِيطِ العَدُوِّ.

١٠ - وَمِنْهَا أَنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ أَعْدَاءَهُ ويَمْحَقَهُمْ، قَيَّضَ لَهُمُ الأَسْبَابَ التِي يَسْتَوْجِبُونَ بِهَا هَلَاكَهُمْ وَمَحْقَهُمْ، وَمِنْ أَعْظَمِهَا بَعْدَ كُفْرِهِمْ


(١) الأدواء: الأمراض. انظر لسان العرب (٤/ ٤٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>