للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْشَأَ قَصِيدَةً، أَوْ حَاوَلَ ذَلِكَ، لِأَنَّ ذَلِكَ لا يَتَلاءَمُ ومَقَامُ النُّبُوَّةِ، ولَمْ يَكُنِ الشُّعَرَاءُ بِذَوِي الأخْلَاقِ، والسِّيرَةِ المَرْضِيَّةِ، فَلا عَجَبَ أَنْ نَزَّهَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَنِ الشِّعْرِ، والرِّسَالَةُ تَقْتَضِي انْطِلَاقًا في الأُسْلُوبِ والتَّعْبِيرِ، والشِّعْرُ تَقَيُّدٌ والْتِزَامٌ، وصَدَقَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ يَقُولُ: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} (١).

ومَعَ هَذَا فَقَدْ كَانَ -صلى اللَّه عليه وسلم- يتَذَوَّقُ ما فِي الشِّعْرِ مِنْ جَمَالٍ، وَحِكْمَةٍ، ورَوْعَةٍ، ويَسْتَنْشِدُهُ أصْحَابَهُ أحْيَانًا (٢)، ولا عَجَبَ فَهُوَ القَائِلُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا، وإنَّ مِنَ الشِّعْرِ حَكْمَةً" (٣).


= الحديث (١٥٩٣) بسند صحيح علي شرط الشيخين عن أبي نوفلِ بنِ أبي عَقْرب قال: سألتُ عائشةَ: هل كَانَ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُتَسَامَعُ عِنْدَهُ الشِّعْرُ؟
قَالَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ أبْغَضَ الحَدِيثِ إليهِ.
(١) سورة يس آية (٦٩).
(٢) روى الإمام مسلم في صحيحه - رقم الحديث (٢٢٥٥) عن الشَّريدِ بن سُوَيدٍ الثَّقَفي -رضي اللَّه عنه- قال: رَدِفْتُ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَومًا، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَلْ معكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بنِ أَبِي الصِّلْتِ شَيئًا؟ "، قلتُ: نَعَمْ قال: "هِيه" فأنشَدْتُهُ بَيتًا، فَقَالَ: "هِيه" ثم أنشَدْتُهُ بيتًا، فَقَالَ: "هِيه" حتَّى أنشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ.
قال الإمام النووي في شرح مسلم (١٥/ ١٠): ومقصودُ الحديثِ أَنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- استَحْسَنَ شِعْرَ أُميَّة، واستزادَ مِنْ إنشادِهِ؛ لِمَا فيهِ من الإقْرَارِ بالوَحْدَانِيَّةِ والبَعْثِ، ففيهِ جوازُ إنشادِ الشِّعْر الذي لا فُحْشَ فيه وسَمَاعُهُ، سَواءً شِعْرُ الجاهليّة وغيرهم، وَأَنَّ المَذْمُومَ منَ الشِّعر الذي لا فُحْشَ فيه إنما هو الإكثار مِنْهُ، وكَوْنه غَالبًا علي الإنْسَانِ، فأمَّا يَسِيرُهُ فلا بأسَ بإنْشَادِهِ، وسَمَاعِهِ، وحِفْظِهِ.
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب النكاح باب الخطبة - رقم الحديث (٥١٤٦) - وأخرجه في كتاب الأدب - باب (٩٠) - رقم الحديث (٦١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>