للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الحَفْرِ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، وَوَضَعَ رِدَاءَهُ نَاحِيَةَ الْخَنْدَقِ، وَضَرَبَ وَقَالَ: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (١) فنَدَرَ (٢) ثُلُثُ الْحَجَرِ، وَسَلْمَانُ الفَارِسِيُّ قَائِمٌ يَنْظُرُ، فَبَرَقَ مَعَ ضَرْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَرْقَةٌ (٣)، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ، وَقَالَ: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فنَدَرَ الثُّلُثُ الْآخَرُ، فَبرَقَتْ بَرْقَةٌ يَرَاهَا سَلْمَانُ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ، وَقَالَ: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، فنَدَرَ الثُّلُثُ البَاقِي، وَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَأَخَذَ رِدَاءَهُ وَجَلَسَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُكَ حِينَ ضَرَبْتَ، لَا تَضْرِبُ ضَرْبَةً إِلَّا كَانَتْ مَعَهَا بَرْقَةٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا سَلْمَانُ، رَأَيْتَ ذَلِكَ؟ " قَالَ: إِي وَالذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ.

فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَإِنِّي حِينَ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الْأُولَى، رُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ كسْرَى وَمَا حَوْلَهَا وَمَدَائِنُ كَثِيرةٌ، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنِي"، فَقَالَ لَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا، وَيُغَنِّمَنَا ذَرَارِيَهُمْ، وَيُخَربَ بِأَيْدِينَا بِلَادَهُمْ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِذَلِكَ.

قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثُمَّ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ، فَرُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ قَيْصَرَ وَمَا


(١) سورة الأنعام آية (١١٥).
(٢) نَدَرَ: سَقَطَ ووقعَ. انظر النِّهاية (٥/ ٣٠).
(٣) بَرَقَ: لَمَعَ. انظر النهاية (١/ ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>