للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ حُذَيْفَةُ: فَذَهَبْتُ فَدَخَلْتُ فِي الْقَوْمِ (١)، وَالرِّيحُ وَجُنُودُ اللَّهِ تَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ، لَا تُقِرُّ لَهُمْ قِدْرًا وَلَا نَارًا وَلَا بِنَاءً، فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لِيَنْظُرِ امْرُؤٌ مَنْ جَلِيسُهُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: فَأَخَذْتُ بِيَدِ الرَّجُلِ الذِي إِلَى جَنْبِي، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟

قَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ. ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ، لَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ (٢)، وَأَخْلفتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ، وَبَلَغَنَا عَنْهُمُ الذِي نَكْرَهُ، وَلَقِينَا مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ، وَاللَّهِ مَا تَطْمَئِنُّ لَنَا قِدْرٌ، وَلَا تَقُومُ لَنَا نَارٌ، وَلَا يَسْتَمْسِكُ لَنَا بِنَاءٌ، فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ، ثُمَّ قَامَ إِلَى جَمَلهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ (٣) فَجَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ عَلَى ثَلَاثٍ، فَمَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ، وَلَوْلَا عَهْدُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا تُحْدِثْ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي"، ثُمَّ شِئْتُ لقتلْتُهُ بِسَهْمٍ (٤).


(١) في رواية الإمام مسلم في صحيحه: قال حذيفة -رضي اللَّه عنه-: فلما وليت من عنده جَعلتُ كأنما أمشي في حَمّام، حتى أتيتهم.
قال الإمام النووي في شرح مسلم (١٢/ ١٢٣): يعني أنه لم يجد البرد الذي يجده الناس من تلك الريح الشديدة شيئًا، بل عافاه اللَّه تَعَالَى منه ببركة إجابته للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وذهابه فيما وجهه له، ودعائه -صلى اللَّه عليه وسلم- له.
(٢) الكُرَاعُ: اسم لجميعِ الخيلِ. انظر النهاية (٤/ ١٤٣).
(٣) مَعْقُولٌ: أي مَشْدُودٌ بالعِقَالِ، والعِقَالُ: هو الحَبْلُ الذي يُرْبَطُ بِهِ البَعِيرُ. انظر النهاية (٣/ ٢٥٤).
(٤) في رواية الإمام مسلم في صحيحه قال حذيفة -رضي اللَّه عنه-: فرأيت أبا سفيان يَصْلِي ظهرَهُ بالنار، فوضعت سهمًا في كبد القوس، فأردت أن أرميه، فذكرت قول رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ولا تذعرهم عليّ" ولو رميته لأصبته.

<<  <  ج: ص:  >  >>