الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، بِالرُّغْمِ مِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِمْ أَبُو لُبَابَةَ -رضي اللَّه عنه- أنَّهُ الذَّبْحُ، فَقَدْ قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ، وَأَخَذَتْ مَعْنَوِيَّاتُهُمْ تَنْهَارُ، وَبَلَغَ هَذَا الْانْهِيَارُ غَايَتَهُ عِنْدَمَا اقْتَرَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رضي اللَّه عنه-، مِنْ حِصْنِهِمْ وَصَاحَ: يَا كَتِيبَةَ الْإِيمَانِ! ثُمَّ تَقَدَّمَ هُوَ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ -رضي اللَّه عنه-، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَذُوقَنَّ مَا ذَاقَ حَمْزَةُ أَوْ لَأَفْتَحَنَّ حِصْنَهُمْ، فَأَذْعَنُوا حِينَئِذٍ وَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَكُتِفُوا وَجُعِلُوا نَاحِيَةً، وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَقِيلَ سَبْعَمِائَةٍ، وَجُعِلَتِ النِّسَاءُ وَالذَّرَارِي بِمَعْزِلٍ عَنِ الرِّجَالِ فِي نَاحِيَةٍ.
فَتَوَاثَبَتِ الْأَوْسُ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُمْ كَانُوا مَوَالِينَا وَحُلَفَاءَنَا، وَقَدْ فَعَلْتَ فِي مَوَالِي إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، يَعْنُونَ بَنِي قَيْنقَاعَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَسَأَلَهُ إِيَّاهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ فَوَهَبَهُمْ لَهُ عَلَى أَنْ يُجْلَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَظَنَّتِ الْأَوْسُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَهَبَ لَهُمْ بَنِي قُرَيْظَةَ كَمَا وَهَبَ بَنِي قَيْنُقَاعَ لِلْخَزْرَجِ، فَلَمَّا كَلَّمَتْهُ الْأَوْسُ أَبَى -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَفْعَلَ بِبَنِي قُرَيْظَةَ مَا فَعَلَ بِبَنِي قَيْنُقَاعَ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟ ".
قَالُوا: بَلَى، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَذَاكَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ".
وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ -رضي اللَّه عنه-، يَوْمَئِذٍ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، يُطَبَّبُ مِنْ جُرْحِهِ الذِي أُصِيبَ بِهِ فِي الْخَنْدَقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute