للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ- فَأَرَادَتِ الْخَزْرَجُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْأَوْسِ فَضْلٌ عَلَيْهِمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَسْرَعُوا إِلَى هَذَا الِاسْتِئْذَانِ، فَأَذِنَ لَهُمْ.

رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ بِهِ لِرَسُولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ كَانَا يَتَصَاوَلانِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- تَصَاوُل الْفَحْليْنِ (١)، لا يَضَعُ الْأَوْسُ شيْئًا فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- غَنَاءً (٢) إِلَّا قَالَتِ الْخَزْرَجُ: وَاللَّهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهَذِهِ فَضْلًا عَلَيْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ: فَلَا يَنتهُونَ حَتَّى يُوقِعُوا مِثْلَهَا، وَإِذَا فَعَلَتِ الْخَزْرَجُ شَيْئًا قَالَتِ الْأَوْسُ مِثْلَ ذَلِكَ (٣).

فَخَرَجَ سِتَّةُ رِجَالٍ مِنَ الْخَزْرَجِ لِقَتْلِ سَلَّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ


(١) أي لا يفعل أحدهما معه شيئًا إلا فعل الآخر معه شيئًا مثله. انظر النهاية (٣/ ٥٧).
(٢) الغَنَاءُ: النَّفْعُ والكِفَايَةُ. انظر لسان العرب (١٠/ ١٣٧).
(٣) انظر سيرة ابن هشام (٣/ ٣٠٠).
قلت: بلغَ التفاخرُ والتنافُسُ بين الأوس والخزرج رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إلى مرضاة اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- مبلغًا عَظِيمًا فقد أخرج الطحاوي في شرح مشكل الآثار (١٠/ ٣٧٤) - والحاكم في المستدرك - رقم الحديث (٧٠٦٠) - بسند صحيح على شرط مسلم عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أنه قال: افتَخَرَ الحيَّان: الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منَّا من اهْتَزَّ لموتهِ عرشُ الرحمن سعدُ بن معاذ، ومنَّا من حَمَتْهُ الدَّبر عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، ومنا من غَسَّلَتْهُ الملائكة حَنْظَلةُ بن أبي عامِرٍ الرَّاهب، ومنا من أُجِيزَتْ شهادته بشهادة رجلين خُزَيْمَة بن ثابت.
فقال الخزرجيون: منَّا أربعة جَمَعُوا القرآن لم يجمعه غيرهم: أُبَيّ بن كعب، ومُعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>