للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسِ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بَايِعْ يَا سَلَمَةُ"! قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! في أَوَّلِ النَّاسِ، قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم- "وَأَيْضًا"، قَالَ: وَرَآنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَزْلًا -يَعْنِي لَيْسَ مَعَهُ سِلَاحٌ- قَالَ: فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَجَفَةً (١) أَوْ دَرَقَةً (٢)، ثُمَّ بَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ في آخِرِ النَّاسِ، قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلَا تُبَايِعُنِي يَا سَلَمَةُ! "، قُلْتُ قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ في أَوَّلِ النَّاسِ، وَفِي أَوْسَطِ النَّاسِ، قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَأَيْضًا"، قَالَ: فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا سَلَمَةُ! أَيْنَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقتُكَ التِي أَعْطَيْتُكَ؟ ".

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَقِيَنِي عَمِّي عَامِرًا عَزِلًا، فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَقَالَ: "إِنَّكَ كَالذِي قَالَ الأَوَّلُ: اللَّهُمَّ! أَبْغِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي" (٣).

قَالَ ابنُ بَطَّالٍ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الحَافِظُ في الفَتْحِ: أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يُؤَكِّدَ بَيْعَةَ سَلَمَةَ -رضي اللَّه عنه- لِعِلْمِهِ بِشَجَاعَتِهِ وَعَنَائِهِ في الإِسْلَامِ، وشُهْرَتِهِ بِالثَّبَاتِ، فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ بِتَكْرِيرِ المُبَايَعَةِ لِيَكُونَ لَهُ في ذَلِكَ فَضِيلَةً (٤).


(١) الحَجَفة: بفتح الحاء الترس من الجلود خاصة. انظر النهاية (١/ ٣٣٣)، لسان العرب (٣/ ٦٣).
(٢) الدرقة: هي الجحفة، وهي ترس من جلود. انظر لسان العرب (٤/ ٣٣٣).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب غزوة ذي قرد وغيرها - رقم الحديث (١٨٠٧).
(٤) انظر فتح الباري (١٥/ ١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>