للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ حَاطِبٌ: هَلُمَّ.

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَاحِبِكَ أَلَيْسَ هُوَ نَبِيٌّ؟

قَالَ حَاطِبٌ: بَلَى، هُوَ رَسُولُ اللَّهِ.

فَقَالَ المُقَوْقِسُ: فَمَالَهُ حَيْثُ كَانَ هَكَذَا لَمْ يَدْعُ عَلَى قَوْمِهِ حَيْثُ أَخْرَجُوهُ مِنْ بَلَدِهِ إلى غَيْرِهَا؟

فَقَالَ لَهُ حَاطِبٌ: أَلَسْتَ تَشْهَدُ أَنَّ عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ، فَمَالَهُ حِينَ أَخَذَهُ قَوْمُهُ فَأَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ أَلَّا يَكُونَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُهْلِكَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ في السَّمَاءِ الدُّنْيَا؟

فَقَالَ المُقَوْقِسُ: أَنْتَ حَكِيمٌ جَاءَ مِنْ عِنْدِ حَكِيمٍ.

ثُمَّ كَتَبَ المُقَوْقِسُ كِتَابًا إلى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَأَعْطَاهُ حَاطِبًا قَالَ فِيهِ:

قَدْ قَرَأْتُ كِتَابَكَ، وَفَهِمْتُ مَا ذَكَرْتَ فِيهِ، وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ نَبِيًّا بَقِيَ، وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِالشَّامِ، وَقَدْ أَكْرَمْتُ رَسُولَكَ، وَبَعَثْتُ إِلَيْكَ بِجَارِيَتَيْنِ لَهُمَا مَكَانٌ فِي القِبْطِ عَظِيمٌ، وَقَدْ أَهْدَيْتُ لَكَ كِسْوَةً، وَبَغْلَةً تَرْكَبُهَا، وَاسْمُ هَذِهِ الْبَغْلَةِ "دُلْدُلٌ".

وَلَمْ يَزِدِ المُقَوْقِسُ عَلَى هَذَا، وَلَمْ يُسْلِمْ، وَرَجَعَ حَاطِبٌ -رضي اللَّه عنه- إِلَى المَدِينَةِ، وَذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَوْلَ المُقَوْقِسِ، فَقَالَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ضَنَّ (١) الخَبِيثُ


(١) ضَنَّ: بفتح الضاد وتشديد النون: يعني بَخِلَ. انظر النهاية (٣/ ٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>