للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَفَ سَلَمَةُ -رضي اللَّه عنه- عَلَى تَلٍّ، وَجَعَلَ وَجْهَهُ قِبَلَ المَدِينَةِ، ثُمَّ نَادَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: يَا صَبَاحَاهُ.

فَأَسْمَعَ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ المَدِينَةِ (١)، قَالَ سَلَمَةُ -رضي اللَّه عنه-: ثُمَّ اتَّبَعْتُ القَوْمَ مَعِيَ سَيْفِي ونَبْلِي، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ، وَأَعْقِرُ (٢) بِهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ يَكْثُرُ الشَّجَرُ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ جَلَسْتُ لَهُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَمَيْتُ، فَلَا يُقْبِلُ عَلَيَّ فَارِسٌ إِلَّا عَقَرْتُ بِهِ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ، وَأَنَا أَقُولُ:

أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ (٣)

فَأَلْحَقُ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ، فَأَرْمِيهِ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَيَقَعُ سَهْمِي فِي الرَّجُلِ حَتَّى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إِلَى كَتِفِهِ، فَقُلْتُ: خُذْهَا

وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ

فَإِذَا كُنْتُ فِي الشَّجَرِ أَحْرَقْتُهُمْ بِالنَّبْلِ، حَتَّى إِذَا تَضَايَقَ الجَبَلُ، فَدَخَلُوا فِي تَضَايُقِهِ، عَلَوْتُ الجَبَلَ، فَجَعَلْتُ أُرْدِيهِمْ (٤) بِالحِجَارَةِ، فَمَا زَالَ ذَاكَ شَأْنِي


(١) قال الإِمام النووي في شرح مسلم (٩/ ١١٥): لا بَتَي المدينة: هما الحَرَّتَان واحدتهما لابة، وهي الأرض الملبسة حجارة سوداء، وللمدنية لابتانِ شرقِيَّة وغربية، وهي بينهما. وَقَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (٨/ ٢٣٥): فيه إشعار بأنه كان واسع الصوت جِدًا، ويحتمل أن يكون ذلك من خَوَارِقِ العادات.
(٢) أعقر بهم: أي أقتل مَرْكُوبَهُم. انظر النهاية (٣/ ٢٤٦).
(٣) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (٨/ ٢٣٥): الرُّضَّع: بضم الراء وتشديد الضاد، جمع راضع وهو اللئيم، فمعناه اليوم يوم هلاك اللئام.
(٤) أرديهم: أي أرمِيهِم. انظر النهاية (٢/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>