للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبِيُّ: . . . فَبِاللَّهِ عَلَيْكَ، إِذَا كَانَ الإِكْثَارُ مِنَ الحَدِيثِ في دَوْلَةِ عُمَرَ -رضي اللَّه عنه-، كَانُوا يُمْنَعُونَ مِنْهُ (١)، مَعَ صِدْقِهِمْ وَعَدَالَتِهِمْ وَعَدَمِ الأَسَانِيدِ، بَلْ هُوَ غَضٌّ لَمْ يُشَبْ، فَمَا ظَنُّكَ بِالإِكْثَارِ مِنْ رِوَايَةِ الغَرَائِبِ وَالمَنَاكِيرِ فِي زَمَانِنَا مَعَ طُولِ الأَسَانِيدِ، وَكَثْرَةِ الوَهْمْ وَالغَلَطِ، فَبِالحَرِيِّ أَنْ نَزْجُرَ القَوْمَ عَنْهُ، فَيَا لَيْتَهُمْ يَقْتَصِرُونَ عَنْ رِوَايَةِ الغَرِيبِ وَالضَّعِيفِ، بَلْ يَرْوُونَ -وَاللَّهِ- المَوْضُوعَاتِ وَالأَبَاطِيلَ، وَالمُسْتَحِيلَ في الأُصُولِ وَالفُرُوعِ، وَالمَلَاحِمِ وَالزُّهْدِ، نَسْأَلُ اللَّه العَافِيَةَ.

فَمَنْ رَوَى ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِبُطْلَانِهِ، وَغَرَّ المُؤْمِنِينَ، فَهَذَا ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، جَانٍ عَلَى السُّنَنِ وَالآثارِ، يُسْتَتَابُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أنابَ وَأَقْصَرَ، وَإِلَّا فَهُوَ فَاسِقٌ، كَفَى بِهِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمعَ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يَعْلَمْ، فَلَيَتَوَرَع، وَلْيَسْتَعِنْ بِمَنْ يُعِينُهُ عَلَى تَنْقِيَةِ مَرْوِيَّاتِهِ، نَسْأَلُ اللَّه العَافِيَةَ (٢).

ثَانِيًا: إنَّ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- واضِحَةٌ كُلَّ الوُضُوحِ في جَمِيعِ مَرَاحِلِهَا، مُنْذُ زَوَاجِ أبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بِأُمِّهِ آمِنَةَ إلَى وَفَاتِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنَحْنُ نَعْرِفُ الشَّيْءَ الكَثِيرَ عَنْ وِلَادَتِهِ، وطُفُولَتِهِ، وشَبَابِهِ، ومَكْسَبِهِ قَبْلَ النُبوَّةِ، ورَحَلَاتِهِ خَارج مَكَّةَ،


(١) كانوا يمنعون من رواية الحديث في خلافة عمر -رضي اللَّه عنه- لسببين:
١ - السبب الأول: اتساع الدولة الإِسلامية في زمن عمر -رضي اللَّه عنه-، فحتى لا ينشغل أهل البلاد المفتوحة بالحديث دون القرآن.
٢ - السبب الثاني: أنهم كانوا يمنعون من رواية الرقائق والمواعظ، دون أحاديث الأحكام والعبادات.
وأخرج نهي عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- عن الإقلال في رواية الحديث: ابن ماجه في سننه -رقم الحديث (٢٨) -والحاكم في المستدرك -رقم الحديث (٣٥٣) - وإسناده صحيح.
(٢) انظر سير أعلام النبلاء (٢/ ٦٠١ - ٦٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>