للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاجْتَوَوْا (١) المَدِينَةَ، فَمَرِضَ، فَجَزعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ (٢) لَهُ، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ (٣) يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ، فَرَآه الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرٍو في مَنَامِهِ، فَرَآهُ وَهَيْئتهُ حَسَنَةٌ، وَرَآه مُغَطِّيًا يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟

قَالَ: غَفَرَ لِي لِهِجْرَتِي إلى نَبِيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ الطُّفَيْلُ: مَالِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ.

فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ! وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ" (٤).

قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: في هَذَا الحَدِيثِ حُجَّةٌ لِقَاعِدَةٍ عَظِيمَةٍ لِأَهْلِ السُّنَّةِ: أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ، أَوِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً غَيْرَهَا، وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ، وَلَا يُقْطَعُ لَهُ بِالنَّارِ، بَلْ هُوَ في حُكْمِ المَشِيئَةِ، وَهَذا الحَدِيثُ شَرْحٌ لِلْأَحَادِيثِ المُوهِمُ ظَاهِرُهَا تَخْلِيدَ قَاتِلِ النَّفْسِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الكَبَائِرِ في النَّارِ، وَفِيهِ إِثْبَاتُ عُقُوبَةِ بَعْضِ أَصْحَابِ المَعَاصِي، فَإِنَّ هَذَا عُوقِبَ في يَدَيْهِ، فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى


(١) اجْتَوَوا المدينة: أي أصابهم الجَوَى، وهو المَرَضُ وداءُ الجوف إذا تطاول. انظر النهاية (١/ ٣٠٧).
(٢) المَشَاقِصُ: بفتح الميم والشين، وهي جمع مِشْقَصٍ: بكسر الميم، وفتح القاف: هي نَصْلُ السهم. انظر النهاية (٢/ ٤٣٨).
(٣) الشَّخَبُ: السَّيَلان، أي سال دمه. انظر النهاية (٢/ ٤٠٣).
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الإيمان - باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر - رقم الحديث (١١٦) - وأخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (١٤٩٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>