للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَعْدَ بنَ أَبِي وقَّاصٍ -رضي اللَّه عنه- أوَّلُ مَنْ أَهْرَاقَ دَمًا في سَبِيلِ اللَّهِ (١).

هَذَا الحَادِثُ مِنَ الِاعْتِدَاءِ عَلَى المُسْلِمِينَ خِلَالَ صَلاتِهمْ في الشِّعَابِ، حَمَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى نُصْحِ المُسْلِمِينَ بالتَّخَفِّي، والْتِزَامِ البُيُوتِ مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ حتَّى تَسْتَقِرَّ الأَحْوَالُ، وخَاصَّةً أَنَّ المُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُمْ مِنَ القُوَّةِ مَا يُوَاجِهُونَ بِهِ قُرَيْشًا، ودَخَلَ رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصْحَابهُ دَارَ الأَرْقَمِ بنِ أَبِي الأَرْقَمِ المَخْزُومِيِّ عَلَى الصَّفَا، وكَانَتْ بِمَعْزِلٍ عَنْ أَعْيُنِ المُشْرِكِينَ ومَجَالِسِهِمْ، فاتَّخَذَهَا مَرْكَزًا لِلدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، ولِاجْتِمَاعِهِ بالمُسْلِمِينَ مِنْ أَجْلِ الإِرْشَادِ والتَّعْلِيمِ، ويَتَعَهَّدُهُمْ بِالتَّرْبِيَةِ حتَّى كَوَّنَ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْهُمْ أُناسًا يَسْتَهِينُونَ بِكُلِّ الآلَامِ والبَلاءِ في سَبِيلِ دِينهِمْ، وعَقِيدَتِهِمْ، وكَانَ مَنْ يُرِيدُ الإِسْلامَ يَأْتِي إِلَيْهَا مُسْتَخْفِيًا خَشْيَةَ أَنْ يَنَالَهُ أذًى مِنْ قُرَيْشٍ.

ومَكَثَ رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصْحَابُهُ في دَارِ الأَرْقَمِ بنِ أَبِي الأَرْقَمِ إِلَى أَنْ صَدَع رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالدَّعْوَةِ كَمَا سَيَأْتِي.

مرَّتْ ثَلَاثُ سَنَوَاتٍ، والدَّعْوَةُ لَمْ تَزَلْ سِرِّيَّةً فَرْدِيَّةً، وخِلَالَ هَذِهِ الفَتْرَةِ تَكَوَّنَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ تَقُومُ عَلَى الأُخُوَّةِ والتَّعَاوُنِ، وتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وتَمْكِينهَا مِنْ مَقَامِهَا، ثُمَّ تَنَزَّلَ الوَحْيُ يُكَلِّفُ رسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمُعَالَنَتِهِ قَوْمَهُ، ومُجَابَهَةِ بَاطِلِهِمْ، ومُهَاجَمَةِ أصْنَامِهِمْ جِهَارًا (٢).


(١) أخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - باب كان سعد -رضي اللَّه عنه- أول من أَهْرَاقَ دَمًا في سبيل اللَّه - رقم الحديث (٦١٦٩).
(٢) انظر فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ص ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>