للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ: هَا هُوَ ذَا، فَأَقْبَلْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَنَاوَلتُهُ كِتَابِي، فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: "مِمَّنْ أَنْتَ؟ "، فَقُلْتُ: أنا أَحَدُ تَنُوخٍ.

قَالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَلْ لَكَ فِي الْإِسْلَامِ الْحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ؟ ".

قُلْتُ: إِنِّي رَسولُ قَوْمٍ، وَعَلَى دِينِ قَوْم، لَا أَرْجعُ عَنْهُ حَتَّى أَرْجعَ إِلَيْهِمْ.

فَضَحِكَ رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَقَالَ: " {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (١)، يَا أَخَا تَنُوخ، إِنِّي كتَبْتُ بِكِتَابٍ إِلَى كِسْرَى فَمَزَّقَه، وَاللَّهُ مُمَزِّقُهُ وَمُمَزِّقُ مُلْكِهِ، وَكتَبْتُ إِلَى النَّجَاشِيِّ (٢) بِصَحِيفَةٍ فَخَرَّقَهَا، وَاللَّهُ مَخَرِّقُهُ وَمُخرِّقُ مُلْكِهِ، وَكَتَبْتُ إِلَى صَاحِبِكَ بِصَحِيفَةٍ فَأمْسَكَهَا، فَلَنْ يَزَالَ النَّاسُ يَجدُونَ مِنْهُ بَأسًا مَادَامَ فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ".

قُلْتُ: هَذِهِ إِحْدَى الثَّلَاثَةِ التِي أَوْصَانِي بِهَا صَاحِبِي، وَأَخَذْتُ سَهْمًا مِنْ جُعْبَتِي، فَكَتَبْتُهَا فِي جِلْدِ سَيْفِي، ثُمَّ إِنَّهُ نَاوَلَ الصَّحِيفَةَ رَجُلًا عَنْ يَسَارِهِ، قُلْتُ: مَنْ صَاحِبُ كِتَابِكُمُ الذِي يَقْرَأُ لَكُمْ؟

قَالُوا: مُعَاوِيَةُ، فَإِذَا فِي كِتَابِ صَاحِبِي: تَدْعُونِي إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، فَأَيْنَ النَّارُ؟

فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سُبْحَانَ اللَّهِ أَيْنَ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ؟ ".

قَالَ التَّنُوخِيُّ: فَأَخَذْتُ سَهْمًا مِنْ جُعْبَتِي، فكَتَبْتُهُ فِي جِلْدِ سَيْفِي، فَلَمَّا أَنْ


(١) سورة القصص آية (٥٦).
(٢) هذا النجاشي غير النجاشي أصحمة الذي آمن بالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-.

<<  <  ج: ص:  >  >>