للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُطْلِقُهُمْ، وَلَا أَعْذُرُهُمْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الذِي يُطْلِقُهُمْ، رَغِبُوا عَنِّي (١)، وَتَخَلَّفُوا عَنِ الغَزْوِ مَعَ المُسْلِمِينَ".

فَلَمَّا بَلَغَهُمْ ذَلِكَ، قَالُوا: وَنَحْنُ بِاللَّهِ لَا نُطْلِقُ أَنْفُسَنَا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الذِي يُطْلِقُنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٢).

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، أَنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَطْلَقَهُمْ، وَعَذَرَهُمْ، فَجَاؤُوا بِأَمْوَالهِمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ أَمْوَالُنَا فتَصَدَّقْ بِهَا عَنَّا وَاسْتَغْفِرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ أَمْوَالَكُمْ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ (٣) إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ (٤) لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (٥).

فَأَخَذَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الصَّدَقَةَ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ (٦).


(١) رَغِبَ عن الشيء: تركه متعمدًا، وزهد فيه. انظر لسان العرب (٥/ ٢٥٥).
ومنه قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه - رقم الحديث (٥٠٦٣) - ومسلم في صحيحه - رقم الحديث (١٤٠١): ". . . فمن رغب عن سنَّتي فليس مني".
(٢) قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ في تفسيره (٤/ ٢٠٦): وهذه الآية وإن كانت نزلت في أناس معينين، إِلا أنها عامة في كل المذنبين الخاطئين المخلصين المتلوثين.
(٣) قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ في تفسيره (٤/ ٢٠٧): أي أدع لهم واستغفر لهم.
(٤) قال ابن عباس: أي رحمة لهم. انظر تفسير ابن كثير (٤/ ٢٠٧).
(٥) سورة التوبة آية (١٠٣).
(٦) أخرجه الطبري في جامع البيان (٦/ ٤٦٠) - والبيهقي في دلائل النبوة (٥/ ٢٧٢) - وأخرجه أيضًا الإمام مالك في الموطأ - كتاب النذور والأيمان - باب جامع الأيمان - رقم الحديث (١٦) - وأبو داود في سننه - رقم الحديث (٣٣١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>