للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الضُّعَفَاءَ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي القوْمِ بِتبوكَ: "مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟ ".

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ (١): يَا رَسُولَ اللَّهِ! حبَسَهٌ برْدَاهُ (٢)، وَنَظَرُهُ فِي عِطْفَيْهِ (٣).

فَقَالَ له مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ -رضي اللَّه عنه-: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلًا (٤) مِنْ تَبُوكَ، حَضَرَنِي هَمِّي (٥)، فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ، وَأَقُولُ: بِمَ أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا؟ ، وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْي مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ لِي: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ، فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ له، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانينَ رَجُلًا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ


(١) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (٢/ ٣٥٦): سَلِمة: بكسر اللام، وهم بطن كبير من الأنصار.
(٢) البُرْدَةُ: نوع من الثياب معروف. انظر النهاية (١/ ١١٦).
(٣) الْمِعْطَفُ: الرِّدَاءُ. انظر النهاية (٣/ ٢٣٣).
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (٨/ ٤٥٩): كَنَّى بذلك عن حسنه وبهجته، والعرب تصف الرداء بصفة الحسن.
(٤) قَفَلَ: رَجَعَ. انظر النهاية (٤/ ٨١).
(٥) في رواية مسلم في صحيحه: بشيء. والْبَثُّ: أَشَدُّ الْحُزْنِ. انظر النهاية (١/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>