للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَتَيْنَاهُ، فَسَلَّمنَا عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: أَنْتَ وَليُّنَا، وَأَنْتَ سَيِّدُنَا، وَأَنْتَ أَطْوَلُ عَلَيْنَا، وَأَنْتَ أَفْضَلُنَا عَلَيْنَا فَضْلًا، وَأَنْتَ الْجَفْنَةُ الْغَرَّاءُ (١).

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قُولُوا قَوْلَكُمْ، وَلَا يَسْتَجِرَنَّكُمُ (٢) الشَّيْطَانُ" (٣).

قَالَ ابْنُ الْأَثِيرُ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ: وَمَعنَى الْحَدِيثِ: يَقُولُ: تَكَلَّمُوا بِمَا يَحْضُرُكُم مِنَ الْقَوْلِ، وَلَا تَسْجَعُوا، كَأَنَّمَا تَنْطِقُونَ عَلَى لِسَانِ الشَّيْطَانِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مَدَحُوهُ، فَكَرِهَ لَهُمُ الْمبالَغَةَ فِي الْمدحِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ (٤).

قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دِلَالَةٌ وَاضِحَةٌ مِنَ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى عَدَمِ الْمبالَغَةِ وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ فِي مَدحِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَهُوَ الْإِطْرَاءُ الذِي نَهى عَنْهُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَالْإِمَامِ أَخمَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَريَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُوله" (٥).


(١) قال ابن الأثير في النهاية (١/ ٢٧١): كانت العرب تدعو السيد المطعام جفنة؛ لأنه يضعها، ويُطعم الناس فيها فسمي باسمها، والغراء البيضاء: أي أنها مملوءة بالشحم والدهن.
(٢) قال ابن الأثير في جامع الأصول (١١/ ٤٩) يقال: جريت جريًا، واستجريت جريًا: أي اتخذت وكيلًا.
(٣) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (١٦٣١١) - وأبو داود في سننه - كتاب الأدب - باب في كراهية التمادح - رقم الحديث (٤٨٠٦) - وأورده ابن الأثير في جامع الأصول - رقم الحديث (٨٥١٥).
(٤) انظر جامع الأصول (١١/ ٤٩).
(٥) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب أحاديث الأنبياء - باب {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ. . .} - رقم الحديث (٣٤٤٥) - وأحمد في مسنده - رقم الحديث (١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>