للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى}، ولَكنَّهُ مُقَدَّمُ الأمَّةِ، وسَابِقُهُمْ في جَمِيعِ هَذِهِ الأوْصَافِ، وسَائِرِ الأوْصَافِ الحَمِيدَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا تَقِيًّا كَرِيمًا جَوَادًا بَذَّالًا لِأَمْوَالِهِ فِي طَاعَةِ مَوْلاهُ، ونُصْرَةِ رسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَكَمْ مِنْ دَرَاهِمَ ودَنَانِيرَ بَذَلَهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ ربِّهِ الكَرِيمِ، ولَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ عِنْدَهُ مِنَّةٌ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُكَافِئَهُ بِهَا، ولَكِنْ كَانَ فَضْلُهُ وإحْسَانُهُ عَلَى السَّادَاتِ والرُّؤَسَاءِ مِنْ سَائِرِ القَبَائِلِ، وَلِهَذَا قَالَ لَهُ عُرْوَةُ بنُ مَسْعُودٍ الثّقَفِيُّ -رضي اللَّه عنه- (١) وهُوَ سَيِّدُ ثَقِيفٍ، يَوْمَ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ عَلَى الكُفْرِ مَا أَسْلَمَ بَعْدُ-: أمَا وَاللَّهِ لَوْلَا يَدٌ لَكَ كَانَتْ عِنْدِي لَمْ أجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ (٢)، وَكَانَ الصِّدِّيقُ -رضي اللَّه عنه- قَدْ أغْلَظَ لَهُ فِي المَقَالَةِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالُهُ مَعَ سَادَاتِ العَرَبِ ورُؤَسَاءِ القَبَائِلِ، فكَيْفَ بِمَنْ عَدَاهُمْ؟ .

وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضَى} (٣).


(١) هو عُرْوَةُ بنُ مَسْعُودِ الثَّقَفِيُّ، أحدُ الأكابرِ في قَوْمِهِ، وهو الذِي عنَاه اللَّه تَعَالَى في القُرآن على لِسَان الكفَّار في سورة الزخرف آية (٣١): {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}. والمَقْصُودُ بالرَّجلينِ الوَليدُ بنُ المُغِيرةِ في مَكةَ، وعُرْوَةُ بن مَسْعُودٍ في الطَّائف، وأسلَمَ -رضي اللَّه عنه- بعدَ غزوَةِ الطَّائِفِ في السنة الثامنة للهجرة، واسْتَأْذَنَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَرْجعَ إلى قومه يَدْعُوَهم إلى الإسلام، فقال له الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنِّي أخَافُ أن يَقْتُلُوكَ، فخرج إلى قومه يَدْعُوَهُمْ إلى الإسلامِ، فَقتَلُوه -رضي اللَّه عنه- انظر الإصابة (٤/ ٤٠٦).
(٢) أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب الشروط - باب الشروط في الجهاد، والمُصَالحة مع أهلِ الحُرُوب - رقم الحديث (٢٧٣١) - وأخرجه الإمام أحمد في المسند - رقم الحديث (١٨٩٢٨) - (١٨٩١٠).
(٣) انظر تفسير ابن كثير (٨/ ٤٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>