للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَصْرِفِ النَّاسَ عَنِ الاسْتِجابَةِ لِدَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ طُرُقَ الِاسْتِهْزاءِ أَوْ تَشْوِيهِ مَعالِمِ الدِّينِ لَمْ تُفْلحْ في الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَجَأَتْ قُرَيْشٌ إِلَى أسْلُوبِ المُفاوَضَاتِ مَرَّةً أُخْرَى (١).

فَذَهَبُوا إِلَى أَبِي طَالِبٍ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالُوا لَهُ: يَا أبَا طَالِبٍ، إِنَّ لَكَ سِنًّا وشَرَفًا ومَنْزِلَةً فِينَا، وإِنَّ ابْنَ أخِيكَ يُؤْذِينَا في نَادِينَا وفِي مَجْلِسِنَا، وإنَّا قَدِ اسْتَنْهَيْناكَ مِنِ ابْنِ أخِيكَ فَلَمْ تَنْهَهُ عَنَّا، وَإنَّا واللَّه لا نَصبِرُ عَلَى هَذَا مِنْ شَتْمِ آبائِنا، وتَسْفِيهِ أحْلامِنا (٢) وعَيْبِ آلِهَتِنا، حَتَّى تَكُفَّهُ عَنَّا، أَوْ ننازِلَهُ وإيَّاكَ في ذَلِكَ حَتَّى يَهْلِكَ أحَدُ الفَرِيقَيْنِ.

فَعَظُمَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ فِراقُ قَوْمِهِ وعَداوَتُهُمْ، وَلَمْ يَطِبْ نَفْسًا بِإِسْلَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَلَا خُذْلانِهِ، فَبَعَثَ عَقِيلًا (٣) ابْنَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَلَمَّا جَاءَ


(١) لا تذكرُ المصادر التاريخية زمَنَ هاتَيْنِ الوِفادَتَيْن -أقصدُ الوِفادَةَ الثانِيَةَ، وهي طلبَ قُرَيْشٍ مِنْ أبي طالبٍ تَسْليمَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وستأتي في الفِقْرَةِ التاليةِ- لكنْ يَبْدُو بعدَ التأمُّل في القرائن والشَّواهد أنهما كانَتَا في أواسطِ السنَةِ السَّادسَةِ منَ النبوَّة. انظر الرحيق المختوم ص ٩٨.
(٢) سَفَّهَ أحلامَنا: أي اسْتَخَفَّ بعُقُولِنَا، وأولُو الأحْلامِ: أي ذَوُوا الألبابِ، والعُقُولِ. انظر النهاية (١/ ٤١٦).
(٣) هو عَقِيلُ بنُ أبي طَالبٍ، ابنُ عمِّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان عَقِيلٌ ممَّنْ خرجَ معَ المُشْرِكينَ إلى بَدْرٍ مُكْرهًا، فأُسِرَ يومئذٍ وكان لا مالَ لَهُ، فَفداهُ عمُّهُ العَبَّاسُ -رضي اللَّه عنه-. ثم أتى عَقِيل مُسْلِمًا قبلَ الحُدَيْبِيَةِ، وهاجرَ إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سنةَ ثمانٍ منَ الهجرةِ، وشهِدَ غزوَةَ مُؤْتَةَ.
قال الحافظ في الإصابة (٤/ ٤٣٨): ولمْ يُسْمَعْ لَهُ بذِكْرٍ في غزوَةِ الفتْحِ ولا حُنَيْنٍ كأنَّه كان مَرِيضًا، أشارَ إلى ذلكَ ابنُ سعد في طبقاته (٤/ ٣٤١)، لكنْ روى الزُّبير بن بَكَّار بسندهِ =

<<  <  ج: ص:  >  >>