جَهْلٍ، والْوَلِيدُ، ونَفَرٌ مِنْهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى المَكَانِ الذِي هُوَ فِيهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّي سَمِعُوا قِراءَتَهُ، فَيَذْهَبُونَ إِلَى الصَّوْتِ فَإِذا الصَّوْتُ مِنْ خَلْفِهِمْ، فَيَنتهُونَ إِلَيْهِ فَيَسْمَعُونَ أَيْضًا مِنْ خَلْفِهِمْ، فانْصَرَفُوا وَلَمْ يَجِدُوا إِلَيْهِ سَبِيلًا، فَذَلِكَ قَوْلهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} (١).
وَلَمْ تَزَلْ فِكْرَةُ اغْتِيالِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تَزْدادُ في قُلُوبِ المُشْرِكِينَ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ وغَيْرُهُ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَبَى إِلَّا ما تَرَوْنَ مِنْ عَيْبِ دِينِنَا، وشَتْمِ آبَائِنَا، وتَسْفِيهِ أحْلامِنَا، وشَتْمِ آلِهَتِنَا، وإنِّي أُعاهِدُ اللَّه لَأَجْلِسَنَّ لَهُ غَدًا بِحَجَرٍ ما أُطِيقُ حَمْلَهُ، فَإِذا سَجَدَ فِي صَلاتِهِ فَضَخْتُ بِهِ رَأْسَهُ، فَأَسْلِمُونِي عِنْدَ ذَلِكَ أَوِ امْنَعُونِي، فَلْيَصْنَعْ بَعْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ مَنافٍ مَا بَدَا لَهُمْ، فَقَالُوا: واللَّهِ ما نُسْلِمُكَ لِشَيْءٍ أبَدًا، فامْضِ لِمَا تُرِيدُ.
فَلَمَّا أصبَحَ أَبُو جَهْلٍ أخَذَ حَجَرًا كَمَا وَصَفَ، ثُمَّ جَلَسَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَنتظِرُهُ، وَغَدا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَمَا كَانَ يَغْدُو، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَكَّةَ وَقِبْلَتُهُ إِلَى الشَّامِ، فَكَان إِذَا صَلَّى صَلَّى بَيْنَ الرّكْنِ اليَمانِيِّ والحَجَرِ الأَسْوَدِ، وجَعَلَ الكَعْبَةَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الشَّامِ، فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّي، وَقَدْ غَدَتْ قُرَيْشٌ فَجَلَسُوا في أنْدِيَتهِمْ يَنتظِرُونَ ما أَبُو جَهْلٍ فَاعِلٌ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- احْتَمَلَ
(١) سورة يس آية (٩)، والخبر في دلائل النبوة للبيهقي (٢/ ١٩٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute