للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَوَشِّحًا (١) قَوْسَهُ راجِعًا مِنْ قَنْصٍ (٢) لَهُ.

فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَوْلاةُ، قالَتْ لَهُ: يَا أبَا عُمَارَةَ! لَوْ رَأَيْتَ ما لَقِيَ ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدٌ آنِفًا مِنْ أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ، وَجَدَهُ هَاهُنَا جَالِسًا فَآذَاهُ وَسَبَّهُ، وبَلَغَ مِنْهُ ما يَكْرَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، وَلَمْ يُكَلِّمْهُ مُحَمَّدٌ.

فَاحْتَمَلَ حَمْزَةَ -رضي اللَّه عنه- الغَضَبُ لِمَا أرادَ اللَّهُ بِهِ مِنْ كَرامَتِهِ -وَكَانَ حَمْزَةُ أَعَزَّ فَتًى في قُرَيْشٍ وَأَشَدَّ شَكِيمَةً (٣) - فانْطَلَقَ يَسْعَى مُصَمِّمًا أَنَّهُ إِذَا لَقِيَ أبَا جَهْلٍ بَطَشَ بِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ نَظَرَ إِلَيْهِ جالِسًا في الْقَوْمِ، فَأقبلَ نَحْوَهُ حَتَّى إِذَا قَامَ عَلَى رَأْسِهِ رَفَعَ القَوْسَ، فَضَرَبَهُ بِهِ، فَشَجَّهُ شَجَّةً مُنْكَرَةً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أتَشْتُمُ ابْنَ أخِي وأَنَا عَلَى دِينِهِ أَقُولُ ما يَقُولُ؟ فَرُدَّ عَلَيَّ ذَلِكَ إنِ اسْتَطَعْتَ، فَقامَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ إِلَى حَمْزَةَ لِيَنْصُرُوا أبَا جَهْلٍ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو جَهْلٍ: دَعُوا أبَا عُمَارَةَ، فَإِنِّي واللَّهِ قَدْ سَبَبْتُ ابْنَ أخِيهِ سَبًّا قَبِيحًا.

وَعَادَ حَمْزَةُ -رضي اللَّه عنه- إِلَى بَيْتهِ، وَقَدْ ساوَرَتْهُ الْوَسَاوِسُ الشَّيْطَانِيَّةُ والهَواجِسُ النَّفْسِيَّةُ، كَيْفَ ترَكْتَ دِينَ قَوْمِكَ، واتَّبَعْتَ هَذَا الصَّابِئَ، لَلْمَوْتُ خَيْرٌ لَكَ مِمَّا صَنَعْتَ، ثُمَّ الْتَمَسَ -رضي اللَّه عنه- التَّوْفِيقَ والرُّشْدَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ رُشْدًا فاجْعَلْ تَصْدِيقَهُ في قَلْبِي، وإلَّا فاجْعَلْ لِي مِمَّا وَقَعْتُ فِيهِ مَخْرَجًا، فبَاتَ


(١) مُتَوَشِّحًا: أي مُتَقَلِّدًا. انظر لسان العرب (١٥/ ٣٠٦).
(٢) القَنَصُ: الصَّيْدُ. انظر لسان العرب (١١/ ٣١٩).
(٣) يُقال: فلانٌ شديدُ الشَّكِيمَةِ: إذا كان عَزيزَ النفْسِ أبِيًّا قَويًا. انظر النهاية (٢/ ٤٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>